الخميس، 11 أبريل 2013

جريمة خيانة الأمانة في القانون والشريعة الإسلامية

جمهورية كردستان الكبرى .. أكاديمية الدراسات الإسنرتيجية والدولية/ قسم الحقوق






المحتويات
 مقدمة
المبحث الأول: شروط قيام جريمة خيانة الأمانة

المبحث الثاني: آثار جريمة خيانة الأمانة

الخاتمة






مقدمة
فقد كرَّم الله ُU الإنسـانَ حين خلقَهُ بيديْهِ، ونَفَخَ فيه من رُوحِهِِ، ومَنَحَهُ نِعْمَةَ العَقْلِ، وهَيَّأَهُ لقَبُولِ التَكْلِيفِ، إِنْ عَمِلَ الخيرَ أُثِيبَ، وإنْ عَمِلَ الشَّرَ عُوقِبَ، وهذا مقتضى قَبولِ الأمانةِ التي حَمَلَهَا الإنسانُ، وأرسى القواعد الأخلاقية التي تكفُلُ الحقوقَ والواجبات، وتسُودُهُ الأمانةُ والعدلُ والمحبةُ.
وإن من أَجَّلِ القِيَمِ الخُلُقِيَّةِ التي بُنِيَت عليها شريعةُ الإسلامِ الأمانةَ، وهي قيمةٌ عظيمةٌ تُصانُ بها حقوقُ اللهِ Y وحقوقُ الناس، لذا ألزمَ الإسلامُ الناسَ بها إلزامًا وأوجبها عليهم وجوبًا، وَدَعَا إلى أدائها في جميعِ الأمورِ التي تتصلُ بالفردِ والمجتمعِ . كما أنَّ النبيَ r رَبَطَ الأمانَةَ بالإيمانِ إذ قال: "لا إِيمَانَ لِمن لا أَمَـانَةَ لَهُ ، وَلا دِيـنَ لِمنْ لا عَهْـدَ لَـهُ"([1]) .
  ومن الأمانةِ الكبرى التي حَمَلَهَا الإنسانُ أمامَ اللهِ U بالخضوع لأوامِرِهِ، والانتهاءِ عن زواجِرِهِ- انبثقتْ سائرُ الأماناتِ مثلُ : أمانَةِ الشَّهَادَةِ لهذا الدِّينِ، وأمانةِ العِلمِ، وأمانةِ الدَّعوةِ إلى الله تعالى، وأمانةِ المحافظةِ على حرماتِ المجتمعِ، وأمانةِ التعاملِ مع الناس، ورَدِّ أمانَاتِهِم إليهم..، قال ابن مسعود t :"..وَالأَمَانَةُ في الصلاة، والأَمَانَةُ في الصَوم، والأَمَانَةُ في الحديث، وَأَشَدُ ذَلك الودَائع.."([2])، فالأمانة في الإسلامِ مفهومها شاملٌ لدين الإنسان وطاقَتِهِ في تحمِّلِ أعباءِ التكاليفِ التي فَرَضَهَا الله تعالى عليه .
  و يتمثل الهدف الأساسي للقانون الجزائي في تنظيم السلوك البشري من خلال جملة من القواعد القانونية، إلا أن هذا لا ينفي الترابط الوثيق بينه وبين القانون المدني الذي يبرز في عديد الميادين منها حماية الحقوق ذات القيمة المالية. فقانون العقوبات نص على عدة جرائم تمس من هذه الحقوق و تعرض إلى زجرها مكرسا بذلك حماية جزائية للأموال العمومية و الأموال الخاصة، من ذلك جريمة الاختلاس أو سوء التصرف في الأموال العمومية من طرف الموظفين و أشباههم، جرائم السرقة، التحيل و خيانة الأمانة. و لئن كانت كل هذه الجرائم تمس من ترابط المجتمع و توازنه و تؤثر على سلامة المعاملات بين الناس فإننا سنخص بالدراسة في هذا البحث جريمة خيانة الأمانة التي نص عليها الفصل 297 م.ج إذ جاء به أنه:"يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام و بغرامة مالية كل من يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو وصولات أو غير ذلك من الكتائب المتضمنة لالتزام أو إبراء أو القاضية بهما لم تسلم له إلا على وجه الكراء أو الوديعة أو الوكالة أو التوثقة أو الإعارة أو لأجل عمل معين بأجر أو بدونه بشرط ترجيعها أو إحضارها أو استعمالها في أمر معين قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي بأيديهم.
  و يكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام إذا كان الجاني وكيلا أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وليا أو وصيا أو ناظرا أو متقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به".
   ولئن كان واجب الحفاظ على الأمانة ثابت بالقرآن الكريم و السنة النبوية منذ عهد بعيد فان تجريم خيانة الأمانة قانونا يرجع إلى  الثورة الفرنسية [3] ذلك أن القانون الروماني والقانون الفرنسي القديم كانا لا ينصان على جريمة خيانة الأمانة التي كانت تدخل تحت وصف جريمة السرقة و لا تستوجب تتبعا جزائيا و إنما مساءلة مدنية فحسب تقتصر على التعويض[4].
و ظل الحال على هذا المنوال إلى حين صدور القانون الفرنسي لسنة 1791 الذي فرق لأول مرة بين خيانة الأمانة و السرقة.
    و لما كانت نقاط التشابه موجودة بين جريمة خيانة الأمانة و الجرائم الأخرى، فانه يجدر التمييز بينها و جرد نقاط الاختلاف بينها تفاديا لكل خلط أو التباس في المفاهيم.
فبالنسبة لجريمة السرقة فإنها تختلف عن جريمة خيانة الأمانة في كون الأولى تتمثل في الاستيلاء على المال و اغتصاب الجاني للحيازة و ذلك إما رغما عن إرادة مالكه أو دون علمه، في حين أنه في جريمة خيانة الأمانة يكون المتضرر قد سلم الشيء بصورة إرادية إلى الجاني الذي غير حيازته من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة و تصرف في الشيء تصرف المالك في ملكه.
   و أما بالنسبة لجريمة التحيل المنصوص عليها بالفصل 291 م.ج فإنها تختلف كذلك عن جريمة خيانة الأمانة. ففي إطار هذه الأخيرة يكون الجاني قد حصل على المال بإرادة مالكه أي بصورة شرعية، أما في جريمة التحيل فان المتضرر يكون ضحية استعمال وسيلة من وسائل الخداع المنصوص عليها بالفصل 291 من م.ج و ذلك باستعمال اسم أو صفة غير صحيحة أو استعمال الحيل و الخزعبلات من قبل الجاني حتى يدفعه للتفريط في ماله[5].
   و في نطاق دراسة جريمة خيانة الأمانة، فانه يبدو من المفيد التعرض باختصار لجريمة الخيانة على بياض التي جاء بها الفصل 300 من م.ج إذ ورد به :"يعاقب بالسجن مدة خمسة أعوام و بخطية قدرها سبعمائة و عشرون دينارا كل من أمن على رقعة خالية من الكتابة بها إمضاء الغير و خان الأمانة بأن ضمن بها التزاما أو إبراء أو غير ذلك من العقود التي من شأنها توريط ذات أو مكاسب صاحب الإمضاء.
  و إذا لم يؤتمن على تلك الرقعة فانه يقع تتبعه و عقابه بصفته مدلسا".
لئن كانت الجريمتان أي جريمة خيانة الأمانة و جريمة خيانة الائتمان على الإمضاء تشتركان في عنصري الائتمان و الخيانة، فان هذا التشابه لا يمكن أن يخفي الاختلاف بينهما، ذلك أن جريمة خيانة الأمانة لا تقوم إلا بتوفر ركن الاستعمال أي أن يستعمل الجاني الشيء المؤمن لديه في غير الأمر المتفق عليه، فبغياب هذا الركن تنعدم الجريمة. أما جريمة خيانة الأمانة على البياض الممضى فهي جريمة فورية تقوم بمجرد تضمين الجاني "لالتزام أو إبراء أو غير ذلك من العقود التي من شانها توريط ذات أو مكاسب صاحب الإمضاء"، سواء استعملت الورقة الممضاة أو لم تستعمل.
   في هذا الإطار و بعد التطرق إلى التفرقة بين جريمتي خيانة الأمانة و بعض الجرائم الأخرى فانه سوف يقع تخصيص هذه الدراسة إلى جريمة خيانة الأمانة طبقا للفصل 297 من م ج، و سوف نحاول التطرق إلى خصوصيات هذه الجريمة من خلال فقه القضاء الصادر في هذا المجال، لذلك فان الإشكالية القانونية التي سنعالجها في هذا ابحث تتمثل فيما يلي: ماهو النظام القانوني لجريمة خيانة الأمانة في القانون الليبي؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تفضي إلى الإقرار بأن لجريمة خيانة الأمانة شروطا و أركانا محددة كما أن لها آثارا قانونية خاصة بها. لذلك سنخصص الجزء الأول من هذه الدراسة إلى شروط قيام جريمة خيانة الأمانة و الجزء الثاني منها إلى آثار هذه الجريمة.
أولا : أهمية الموضوع :
تتبين أهميةُ الموضوع من الأمور الآتية :
1- ذكرُ الأَمَانَة في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواضع عديدة، وارتباطها بالفضائل الخلقية التي تظهر آثارها في السلوك والعبادة والإيمان .
2- سعةُ مفهوم الأمانة في الإسلام؛ فهي شاملة للدِّين، وتتعلق بطاقة الإنسان، وتحمله أعباءَ التكاليف التي فرضها الله تعالى عليه .
3- حاجةُ المسلمين اليوم إلى وعيٍ صحيحٍ بقيمة الأَمَانَة وإدراكٍ لأهميةِ تطبيقِهَا في واقعِ حياتهم .
4- وجود آثارٍ مدمرةٍ في بناء الأمة العربية نتيجة لعدم التزام أفرادها بالأَمَانَةِ على الوجهِ الصحيحِ.
5- ثناءُ الكُتَّابِ والباحثين، مع اختلاف مللهم وتباين وجهاتهم، على الأَمَانَةِ والأُمَنَـاءِ، واتفاقُ العُقلاءِ جميعًا على أهميتها في كل زمانٍ ومكانٍ .
ثانيا : الدراسات السابقة للموضوع :
لم يتناول أحد هذا الموضـوع في أي من أقسام جامعات ليبيا كأطروحة علميـة فيما ظهر لي، وأُورِدُ فيما يلي، نَبْذَةً عن أبرزِ الكتاباتِ التي تناولت جوانب من الموضوع :
أ- الدراسات والمؤلفات في التراث الإسلامي القديم :
قد يورد بعض المفسرين والمحدثين والفقهاء والأخلاقيين والمؤرخين والقانونيين وغيرهم، إشاراتٍ يسيرةً إلى الأمانة، ومن أقربِ المؤلفاتِ للحديث عن الأمـانةِ كُتُبُ الأخلاقِ في التراثِ الإسلامي أمثال : تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق لابن مسكويه، وإحياء علوم الدين، وميزان العمل، ومكاشفة القلوب-كلها- لأبي حامد الغزالي، ومدارج السالكين لابن القيم، ومع ذلك فهي لم تُفْرِدْ للأمانة موضوعا مستقلا، أو بابا أو فصلا، على أن بعض الأئمة قد عُني بذكر الأمانة في الولايات العامة، كشيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته السياسة الشرعية([6]) .
ب- الدراسات والمؤلفات الحديثة : ركزتْ جُلُّ الدراساتِ والمؤلفاتِ الحديثةِ على تناولِ بعضِ النصوصِ الشرعيةِ الواردةِ في الأَمَانَةِ وذكرِ بعضِ القَصَصِ في الأمانةِ . ومن أمثلة ذلك :
1- (الأمانةُ والأُمَنَاءُ) لأحمد نصيب المحاميد ([7]) :
ويعدُّ هذا الكتابُ من أوائل الكتبِ التي أَفْرَدَتْ عنوانَ الأمانةِ على حسب علمي، جمع فيه المؤلفُ نصوصَ القرآنِ الكريمِ في الأمانةِ، وبعضَ الأحاديثِ وتحدثَ عنهما بإيجاز، وذكر بعضَ أقوالِ الصحابةِ –y -، وأقوالِ مَنْ بَعدَهُم في الأمانةِ، وأَوْرَدَ مجموعةً من القَصَصِ التي تُبَيِّنُ النتيجةَ الحسنةَ للأَمَانَةِ وأهميتَها ومكانَتَها .
2- (الأخلاقُ الإسلاميةُ وأُسُسُها) لعبد الرحمن حبنكة الميداني ([8]) :
ويُعَدُّ هذا الكتابُ من الكتبِ القيمةِ في موضوعِ الأخلاقِ الإسلاميةِ، جَمَعَ فيه المؤلفُ مجموعةً من الأخلاقِ والقيمِ، خص (الأمانة) منها بمبحث مستقل، عرض فيه : تعريفَها، وموقفَ الإسلامِ منها ، وأنها من أبرزِ أخلاقِ الرسلِ، وأهم مجالاتها، مستشهدا ببعض الآياتِ الواردةِ فيها، وطائفةٍ من الأحاديثِ النبوية الشريفةِ في فضلها .
3-(موسوعة نضرةُ النعيم في أخلاق الرسول  e) إعدادُ: مجموعةٍ من المختصين([9]) :
وتُعَدُّ هذه الموسوعةُ من أوسعِ الموسوعاتِ في أخلاقِ الرسولِ  r، وقد تناولتْ خُلُقَ الأمانة من عدة جوانب، منها : تعريفُها لغةً واصطلاحًا، وبيانُ أمانةِ الرسلِ، ومجالاتُ الأمانةِ، والأمانةُ والتكليفُ، مع ذكرِ الآياتِ الواردةِ فيها وأقوالِ المفسرين لها، وفيها مجموعة من الأحاديث النبوية، والآثارِ، وأقوالِ العلماءِ الشراحِ المتعلقة بها .
ج- الدراسات العلمية (الأكاديمية) :
تم الاطلاعُ على العديدِ من الرسائلِ الجامعية (ماجستير ودكتوراه) وأكتفي هنا بذكر أبرز الرسائل التي لها صلة بموضوع الأمانة :
1- (الأمانة كما يصورها القرآن الكريم) لجمال إبراهيم حافظ الشهاوي : وهي رسالة ماجستير نوقشت عام 1409هـ/1989م، في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر في القاهرة، قسم التفسير وعلوم القرآن، وقد تناول فيها الباحث موضوع الأمـانة  في دراسته وفق منهجية التفسير الموضوعي للآيات الواردة في الأمانة .
2- (الأمانة في ضوء الكتاب والسنة) لغصنة بنت جدوع الظفيري : وهي رسالة ماجستير نوقشت عام 1421هـ/2001م، في كلية الدراسات العليا بجامعة الكويت، وقد تناولت فيها الباحثة موضوع الأمانة وفق منهجية الحديث الموضوعي أثناء دراستها للأحاديث الواردة في الأمانة وبيان صحتها أو ضعفها .
3- (السياسة الإسلامية أساسها الأمانة والعدل) لمحمد محمد عبد الحي عبد القادر : وهي رسالة دكتوراه نوقشت عام 1401هـ/1981م، في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في القاهرة، وقد تناول فيها الباحث موضوع الأمانة وفق منهجية السياسة الشرعية أثناء دراسته للسياسة العامة في الولايات وواجباتها .
4-(خيانة الأمانة في الوديعة في الشريعة الإسلامية) لألفت عبد المنعم أحمد فتح الله : وهي رسالة دكتوراه نوقشت عام 1414هـ/1994م، في كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر في القاهرة، وقد تناولت فيها الباحثة موضوع الأمانة وفق منهجية الفقه المقارن من خلال دراسة خيانة الأمانة في الوديعة وبيان أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بها .
5-(الأمانة وسيكلوجية الشخصية) لأشرف سيد أبو السعود عبد الله : وهي رسـالة ماجستير نوقشت عام 1416هـ/ 1996م، في كلية الآداب بجامعة عين شمس، قام الباحث بدراسة الأمانة من الوجهة النفسية، وأجرى اختبارات ميدانية استكشافية، وتحليلات إحصائية تتعلق بها .
6-(دراسة تحليلية لسلوك عدم الأمانة وعلاقته بالحكم الأخلاقي لدى المراهقات) لعبير غانم أحمد غانم : وهي رسـالة ماجستير نوقشت عام 1417هـ/1997م، في كلية التربية بجامعة أسيوط، قامت الباحثة بدراسة سلوك عدم الأمانة على الطالبات المراهقات وأثر انحرافهن الأخلاقي، وأجرت دراسة ميدانية، ودراسة تطبيقية (كلينيكية) وفق منظور الصحة النفسية .
ثالثا : سبب اختياري للموضوع :
إضافة لما تم ذكره في أهمية الموضوع ولعدم وجود دراسة متكاملة فيه، فإن هذا الموضوع لم يسبق تناوله مفردا في دراسة فكرية أخلاقية في حدود علمي، ورغبة مني في تقديم نفع للأمة الإسلامية والعربية، والنصح لها، وإثراء المكتبة الإسلامية؛ لهذا كله اخترت هذا الموضوع والكتابة فيه بما يتلاءم مع منهج تخصص الثقافة الإسلامية .
رابعا : منهج البحث :
حرصت في هذا البحث أن أدرس مفهوم الأمانة وأن أبين آثارها في المجتمع، وأن أوضح أسسها، ومجالاتها، وآثار أدائها، وآثار تضييعها، وفق الخطة المرسومة لهذه الأطروحة، وقد اعتمدت فيها على الآتي :  
أ- مسلك التأصيل والاستقراء في تتبع الأدلة الشرعية الواردة في الأمانة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله r، وما ذكره أهل العلم في ذلك، ومناقشة الآراء المخالفة .
ب- المنهج العلمي التحليلي في استخدام خطة منظمة للوصول إلى الاستنتاج، بادئا من الجزئيات منتهيا إلى الكليات والنتائج والآثار .
ج- المنهج النقدي في استخلاص الآثار الخيرة لأداء الأمانة في المجتمع، والآثار المدمرة  للإخلال بالأمانة، وبيان جوانب النقص والقصور والانحراف في الفكر الإنساني البعيد عن هداية الوحي ([10]) .
كما روعي في صياغة البحث :
1- عرضه في أسلوب علمي وعبارة سهلة وواضحة ومترابطة .
2- عزو النصوص الواردة إلى مظانها، فَإِنْ كانت آياتٍ كريمة فإلى موطنها في القرآن الكريم، وكتابتها وفق الرسم العثماني كما هي في مصحف المدينة.
  3- التعريف بالأعلام غير المشهورين الوارد ذكرهم في البحث ممن توافرت لهم ترجمة.
4- وضع قوائم للآيات الواردة في البحث، والأحاديث والآثار، والأعلام، والمصطلحات العلمية، والفرق والمذاهب، والأبيات الشعرية، والمصادر والمراجع، والموضوعات، تسهيلا على القارئ في الحصول على المعلومة التي يريدها .
خامسا : الصعوبات التي واجهتني :
كان من أبرز الصعوبات التي واجهتني في بحثي هذا :
1- قلة المصادر والمراجع المفردة في الموضوع؛
2- تداخل مفهوم الأمانة الأخلاقي بغيره، ولا سيما في تناول أسُسِها ومجالاتها وآثارها وتشابهها، وتأثيرِ كلٍ منها في الآخر سلبا وإيجابا.




أنواع الأمانةُ
عُدَّت الأمانةُ قيمةً خلقيةً واسعةَ الدلالة ، لها معانٍ متعددةٌ تتنوع بتنوع العلوم والمعارف، ويمكن إجمالها في الآتي :
 أ- الأمانة في اللغة العربية : ضد الخيانة .
ب- وفي الاصطلاح لها معان عديدة أرجحها: أمانة التكليف والطاعة والفرائض، وأمانة الودائع . وقد غلب استعمالها في بعض دلالالتها، طبقا لتخصصات أهل كل علم، فالمراد بها :
1- عند المفسرين : جميع معاني الأمانات في الدِّينِ والفرائضِ وأماناتِ النَّاس .
2- وعند المحدثين بمعنى : الإيمان والتَّكَاليف والمسؤولية .
3- وعند الفقهاء بمعنى : الوديعة .
4- وعند الأخلاقيين بمعنى : العفَّة والعدالة .
5- وعند علماء النفس : سمة الالتزام بأعراف المجتمع .
6- وعند علماء القانون : التركيز على جانب خيانة الأمانة .
ج- شاعت الأمانة باعتبارها قيمةً خلقيةً في المجتمعات القديمة، فكانت تعني :
1- في المجتمع اليوناني : فضائل تتعلق بالعلاقات بين الناس .
2- في المجتمع الروماني : لم تكن واقعًا ملموسًا يحكم أمور الحياة ، وإنما وُصِفَ الرومانيون بالأمانة في حقبة تاريخية محدودة .
3- في المجتمع الفارسي : عدت ضمن الفضائل الأخلاقية الأساسية في المجتمع .
4- عند أهل الكتاب :
أ- أوجب اليهود الأمانة وجعلوها فضيلةً خلقيةً تنظم علاقاتهم ومعاملاتهم .
    ب- عدَّها النصارى ضمن الأخلاق اللاهوتية المسيحية، وتعني لديهم :الثبات .
5- نظر إليها العرب في جاهليتهم على أنها من مكارم الأخلاق .
6- عُدَّت الأمانة في الفكر الغربي ضمن الفضائل المحمودة، والتي تعني تحمل المسؤولية والانضباط والثقة من أجل تحقيق المصلحة والمنفعة المادية .
ثانيا : الأمانة إحدى الفضائل الإنسانية البارزة في منظومة الأخلاق، وهي تقوم على أسس ثلاثة هامة :
أ- الفطرة النقية : تنمو الأمانة في ظل التزكية والتثقيف، وتنقص في ظل الإهمال والتكاسل، ويميل الناس فطرة إلى تقدير الأمانة، وإجلال الأمناء في جميع المجتمعات .
ب- العقل السليم : يستحسن العقل الأمانةَ باعتبارها قيمةً كبرى، وضرورة عقلية للتعامل الإنساني في جميع شؤون الحياة، فالعقل هو المميز الجوهري للإنسان، وهو سر الإنسانية المؤهلة للتكليف وحمل الأمانة، فالعقل السليم يُقدر الأمانة؛ لأنه يميز بين طريقي الهداية والضلال بعد بيان الرسل لهما .
ج- الشرع : يكتمل أمر الأمانة بالشرع المطهر، فوظيفة الفطرة والعقل قاصرة عن الوصول إلى الغاية المرادة من القيام بالأمانة، والتي تتمثل في شعور الفرد بمسؤوليته أمام الله تعالى عن كل ما يوكل إليه من واجبات وحقوق، وقد أوجبها الإسلام وَدَعَا إليها في جميع الأمور التي تتصل بالفرد والمجتمع .
ثالثا : شملت الأمانة التكاليفَ والواجباتِ التي طولبَ بها الإنسانُ أداء لحقها، ولم يتركْ الإسلامُ أمرَهَا إلى مجردِ عرفِ المجتمعات وعقولِ الأفراد؛ لأن هذا مما لا تهتدي إليه عقولُ الناس، وآراؤهم، وخبراتهم دون توجيهات الوحي وإرشاده، بل انفرد بمنهجه الكامل لشرح الأمانة وتطبيقها في كل مجالات الحياة، وذلك وفق ما يلي :
أ- في مجال العقيدة والعبـادة : الأمانة والإيمان مرتبطان، فالتفريط في الأمانة دليل على ضعف الإيمان، والأمانة من أعظم الأمور التي يُسْأَلُ عنها العبد يوم القيامة، وتتمثل الأمانة في الآتي :
1- في مجال العقيدة : ارتباط الأمانة المتين بالإيمان بالله تعالى، وبالملائكة -عليهم السلام-، والإيمان بالكتب المنزلة، وبالرسل -عليهم الصلاة والسلام-، والإيمان باليوم الآخر، وبالقَدَرِ خيرِهِ وشرِهِ .
2- وفي مجال العبادة : إقرار الأمانة الوثيق بالالتزام بجميع التكاليف والعبادات المتعلقة بالأفراد كالصلاة والزكاة والصوم والحج، وسائر المعاملات، وكذلك أداء العبادات المتعلقة بالجماعة كإمامة المصلين والآذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ب- المجال الاجتماعي :
الأمانة آصرة اجتماعية قوية  تحث على :
1- رعاية الأسرة المسلمة، وتشمل التأكيد على أمانة الزوجين في أداءِ الحقوقِ الزوجية، وأمانةِ الزوجين في تربيةِ الأولاد، وأمانةِ الأولادِ في البر بوالديهم .
2- العلاقات، وتتمثل الأمانة في حفظِ أسرارِ البيوتِ و المجالسِ، وما يُؤْتَمَنُ عليه من أسرارٍ، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الدول والحكومات، وما يجب على المسلم من ستر عوراتِ إخوانه صيانةً للمجتمع من استشراءِ نارِ الفسادِ .
3- الولايات، وتُعَدُّ الأمانة شرطا أساسيا في تعيينِ الولاةِ ،وتقليدِ المناصبِ، والتكليفِ بالوظائفِ، لأن الولايةَ مسؤوليةٌ جسيمةٌ، وأمانةٌ ثقيلةٌ لا تَصْلُحُ إلا لمن كان مُؤَهَّلا لها بصفاتٍ معينةٍ مثل : الإيمانِ، وكمالِ العقلِ، وتمام ِالقوةِ، والكفاءةِ الحقيقيةِ للمنصبِ، والعفةِ عن سؤالِ المنصبِ، والصدقِ في الأقوالِ والأعمالِ؛ ليتمكنَ من أداءِ واجباتِ الولايةِ على الوجهِ الأكملِ كما قررهُ الشرعُ الحكيمُ، وبذلِ النصحِ لمجتمعِهِ، ومشاورةِ الأمناءِ فيما يهمُّ من أمرِ الدُّنيا والدِّينِ .



ج- المجال الاقتصادي :
يمكنُ إجمالُ الأمانةِ في أنها من الأخلاق العظيمة التي تدعو إلى الآتي :
1- أداء الأمانات إلى أهلها، ويدخلُ فيه حفظُ الديونِ بكتابتِها، وعدمُ الزيادةِ على أصلِ الدَّينِ، وحسنُ أداء الحقوق، وتعنى الأمانة بتوفية الكيل والميزان وعدم التطفيف فيهما، وذلك مدعاةٌ لحفظ حقوق الآخرين، وتأكيدِ أواصر المحبة في المجتمع، وشيوع الأمن والرخاء .
2- الوفاء بالعقود المالية، ويشتمل على تأدية الأمانة في عقود المعاوضات، مثل توفية أجور المستأجرين، وصونِ بيع المرابحة عن الخيانة والكذب ببيان ثمن السلعة من غير بينة ولا استحلاف، وكذا الأمانةُ في عقود التبرعات، والتي تتمثل في الوصية بكتابتها صحيحةً خالية من الغدر بحقوق الآخرين أو الإضرار بالورثة، وعلى الموصَى إليه أمانةُ إنفاذِ الوصية على الوجه الصحيح، وتتضمن الأمانةُ رَدَّ الودائعِ وصيانَتَها من الضياع أو التفريط فيها، ورَدَّهَا لصاحبها متى طلبها كاملةً غيرَ منقوصةٍ، وهذا من قوامِ ازدهارِ النشاطِ الاقتصاديِّ في المجتمع وتكافلِ أفرادِه .
د- المجال العلمي :
العلم أمانة عظيمة يحملها ويؤديها الأخيار من الأمة لفظا ومعنى وتأليفا ونشرا، مع القيام بالأمانة في كل من :
1- حفظِ العـلمِ بتحمل سماعِهِ أو قراءتِهِ على الشيوخ الأمناء، مهتدين بفعل الصحابة -y -  في أمانة الحفظ والأداء، ومثال ذلك : جمعُ القرآن الكريم، وحفظ السنة النبوية من الضياع والتحريف، والحكم على الإسناد والمتن وَفْقَ طرقٍ دقيقةٍ لمعرفةِ الصحيحِ من الضعيفِ، ثم تأدية العـلم للأجيال بعدم كتمانه، والتوقف عن الفُتْيَا بلا علم، وصيانةُ العلم عن التحريف والتضليل .
2- التأليفِ العلمِي ونشرِهِ، والتي تعدُّ من أعظم الأمانات العلمية، وتتحققُ بالدقة في نقل الأقوال وتوثيقها، وتصحيحِ التصحيف، مع ما تتضمنَهُ الأمانةُ من رعايةِ حقِّ المؤلفِ والناشرِ، والتزامِ المصداقيةِ فيما يُؤلفُ ويُنشرُ من كتبٍ ومصنفاتٍ، بما يُنَمِّي الثروةَ العلميةَ والمكانةَ الحضاريةَ للمجتمعِ .   
رابعا :برزتْ الأمانةُ عمادًا للأخلاق، ومجمعا للفضائل، وقد ازدانَ التاريخُ بنماذجَ رائعةٍ لأداء الأمانة، فما من شعبة من شعب الأخلاق والخير الاجتماعي إلا إليها مردُّها، فلا يمكن أن يعيش الناس في أمن واستقرار، ويتم التعاون بين أفراد المجتمع لولا فضيلةُ الأمانة، فكان من آثار أداءِ الأمانة في المجتمع :
أ-الآثار السلوكية والنفسية : وتتضح في الآتي :
1-صلاح الفرد واستقامته من خلال تولية النفس وَجْهَهَا شَطْرَ الحقِّ والفضائل، وابتعادِها عن الشر والرذائل،فيؤدي الفرد ما افترضه الله تعالى عليه من واجباتٍ في العبادات والمعاملات، ويبتعدُ عن كلِّ المنهياتِ التي زَجَرَ عنها، فيصدق الأمينُ في معاملاتِهِ، ويقبل الحقَّ، ويُذْعِنُ لَهُ، فيستحق ثناءَ المولى الكريمِ عليه في كتابِهِ، وتقديرَ الناسِ لَهُ، فتفشو بهذا التعامل المحبة في المجتمع، ويعم الخيرُ أفرادَه .
2- الإخلاص في أداء الواجبات والمسؤوليات على النحو المطلوب، وتتضح آثارُ الأمانة في نمو الرقابة الداخلية ويقظةِ الضمير الحي، فيتقن الأمينُ الأعمالَ الموكلةَ إليه بكل دقة وإحسان، ويتحمل المسؤوليات المناطةَ به فرديا وجماعيا، مع مراعاة أن كل إنسان مسؤول بقدر استطاعته وتحمله، فَيُحَاسبُ عليها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .
3- نيل السعادة والفلاح، ومن أعظم آثار حصول محبة الله تعالى ورسوله r للأمين، ثم محبة الناس واحترامهم وتقديرهم، فيكون ذلك سببا لغناه، فيحفظه الله تعالى في أهله وماله، وفي حياته، وبعد وفاته، ثم ينال الفلاح في الآخرة، ويرتقي درجات النعيم الخالدة، وهذه حقيقة بشارة النبي r للأمناء في الآخرة بضمان الجنة .



ب - الآثار الاجتماعية : وتتضح في الآتي :
1-السمو الخلقي للمجتمع : تبرز آثار الأمانة في المجتمع في سلامة الصدر، وتماسك الأفراد، وتزكية النفوس، لأن المسلم يتمنى الخير للناس جميعا، ويحرص على تحقيق مبدأ المحبة والنصيحة في ظل مجتمع أمين وارف .
2- تبادل الثقة بين أفراد المجتمع : كلما ازدادت الثقة بين أبناء المجتمع كان ذلك دليلا على توافر أمانتهم وسمو أخلاقهم، وهو يساعد على تحقيق التكافل الذي هو قاعدة المجتمع الإسلامي، وكذا الاحترام المتبادل لجهود الآخرين وما يقدمونه من عطاء وإسهام يجعل المجتمع أمة واحدة .
3- المظهر الحضاري للمجتمع : تظهر الأمانة بين الأفراد في وجود نظام اجتماعي شامل لحياة الناس، يقوم على العدل والتماسك والترابط والقوة مما يؤول إلى تميز المجتمع ونهضته الحضارية في نشر محاسن الإسلام وظهور الحق .
ج- الآثار الاقتصادية : وتتضح في الآتي :
1- استقامة التعامل المالي وسلامته : ذلك أن الاقتصاد من المجالات التي لا يكاد يستغني عنها أي فرد في أي مكان وزمان، ولن ينهض المجتمع اقتصاديا إذا لم يسلك أفراده مسلك الأمانة والاستقامة في التعامل المالي وتنميته وفق أحكام الشريعة، فيحقق السبيل إلى جعل الدنيا وسيلة للآخرة وذخرا لمرضاة الله تعالى .
2- تحقق الأمن الاقتصادي : عني الإسلام بتنمية المال في شتى مجالات الحياة؛ ليتحقق الأمن المنشود باستغلال الموارد الاقتصادية؛ التي هي هبات من الله تعالى، وهي أمانة في يد الأفراد والمجتمعات، يمكن أن توظف في سبيل تحقيق الاستقرار وإشاعة الرخاء، والعمل على إقامة العدل، فيعم الأمن والأمان في أرجاء البلاد ونفوس العباد، وتكون الحركة التجارية أكثر ازدهارا وتبادلا للمنافع المعيشية والحاجات الضرورية والكماليات الاستهلاكية .


د- الآثار العلمية : وتتضح في الآتي :
1-ضبط الموازين العلمية، وذلك بقيام العلماء بإرساء قواعد منهجية وفق مصادر الإسلام (الكتاب والسنة) مرتبطة بالإيمان، مع حرص على الأمانة في التحري والتثبت، وقد دفع هذا المنهج غير المسلمين إلى الاعتراف للمسلمين بالأمانة العلمية في مناهجهم العلمية، كما أبدع العلماء المسلمون في علم الإسناد، والجرح والتعديل، ودفع الكذب عن حديث رسول الله r، وكذا التعاون العلمي الموسوعي، والتناصح بين العلماء .
2- ازدهار الحركة العلمية، وتمثل ذلك في كثرة العلماء من الصحابة الكرام، وارتباط كبار التابعين بالصحابة، يأخذون العلم ويدونون عنهم الآثار الصحيحة، ويبوبون الأحكام بأمانة فائقة ورعاية تامة، وقد بلَّغوا العلم ونشروه فلم تبق حاضرة من حواضر المسلمين إلا أصبحت قاعدة للمعرفة، ومنارة للعلم، وواجهوا الشبهات والتيارات الفكرية المنحرفة، وحذَّروا من الفرقة .
خامسا : ضياع الأمانة وآثارها في المجتمع، فمن المؤسف أن أصبحت اسما لا مسمى لَهُ في القلوب، ولا أثر لَهُ في السلوك، فهي كما دل عليها الحديث النبوي لا تقبض دفعة واحدة عند أول معصية يقترفها الإنسان، وهي إن بقي لها بقايا يسيرة فإنها قليلة الشأن غير فعالة في توجيه السلوك، وأمثلة التاريخ وشواهده على ضياعها كثيرة، فكان من آثار هذا التضييع في المجتمع ما يلي :
أ-الآثار السلوكية والنفسية : وتتضح فيما يأتي :
1-ضعف الوازع الأخلاقي، فمتى ابتعدت النفوس عن الدِّين انفرط عقد الأخلاق الحميدة، وعاشت المجتمعات في فوضى أخلاقية، وانتشرت الأمراض النفسية والسلوكية كالكذب والخيانة، وانهارت القيم النبيلة، وكثر التشبه بخصال المنافقين، وفشت العداوة والبغضاء، وكثر التنافس والتحاسد على الدنيا، وهي نتيجة قاطعة لتضييع الأمانة في المجتمع، وانهيار كيانه، وإضعاف تماسكه .
2- عدم الإخلاص في أداء الواجبات والمسؤوليات، وتتضح آثار ضياع الأمانة في غياب استشعار الإخلاص في حياة الناس، وضعف الرقابة الداخلية ويقظة الضمير الحي، فيكون العمل من أجل الأجر والمديح والثناء، وتغليب المصالح الخاصة، والتفريط في أداء الأعمال الموكلة للفرد، وعدم تحمل المسؤوليات المناطة بالأفراد والجماعات، مما أعاق مسيرة تقدم الأمة الإسلامية في ميادين عديدة .
3- الشقاء في العاجل والآجل، فإن من أعظم الشقاء العاجل ما يحل بالمجتمع من فقدان الأمانة وتضييعها، ومن الضيق في الحياة والنكد والقلق، ناهيك عن عدم إجابة الدعاء، ولا يقف الأمر عند الشقاء الدنيوي بل يتعداه للآخرة كذلك، وما توعد الله تعالى به العصاة الذين خانوا الأمانة وأضاعوها .
ب - الآثار الاجتماعية : وتتضح فيما يأتي :
1- فساد أخلاق المجتمع، وتبرز آثار تضييع الأمانة في انقلاب الموازين الصحيحة، وتزيين المحرمات، حتى أصبحت بعض المجتمعات المسلمة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، فعم النِّفاق، وكثر الزِّنا، وانتشرت الخمور والمخدِّرات، وما تبع ذلك من ارتفاع أسافل الناس على خيارهم بسبب توسيد الأمور لغير أهلها .
2- تفكك العلاقات، فحينما تفتقد الثقة بين أبناء المجتمع، وتتفشى منكرات القلوب من الغل والبغضاء والتناحر-تتفكك العلاقات الاجتماعية، وتكثر مظاهر الخيانة، وإساءة الظن، وإنكار الحقوق، وغلبة الأنانية والفردية وحب الأثرة، وبذا انحلت قاعدة المجتمع، وانفصمت عراه، وكثرت الإخفاقات .
3- التخلف الحضاري للمجتمع، ويظهر في غياب العزة الإسلامية وغلبة الذل على المسلمين، وتفرقهم وتشتتهم وضعفهم اقتصاديا وتخلفهم علميا، ووقوع فئات منهم في الهزيمة النفسية الداخلية، مما تسبب في تشويه صورة الإسلام والمسلمين وغلبة الكذب والخيانة، والتناقض بين القول والعمل على سلوكهم .

ج- الآثار الاقتصادية : وتتضح فيما يأتي :
1- فساد التعامل المالي، ويتمثل في كثرة التعاملات المحرمة والمشبوهة في المجتمع، كالربا والاحتكارِ والغشِ والرشوةِ، وعدمِ الالتزامِ بالمعاملاتِ المشروعةِ وهُجْرَانِهَا، مما ترتبَ عليه الجهلُ بأحكامِ الشريعةِ، وقلَّ من يَسْأَلُ عن الحلال، وغَلَبَ التنافسُ على الدنيا وحُطَامِها .
2- الضعف الاقتصادي، ويبرز في ضيقِ المعاشِ وشيوع الفقر، ورواج الرِّبا وما ينشأ عنه من محقِ الأموال، وعدمِ الاستقرار، وضعفِ التكافل، وسيطرةِ المصالح المادية، وارتفاع نسبة الفقر .
د- الآثار العلمية : وتتضح فيما يأتي :
1- غياب المسؤولية التربوية، ويحصل بتخلي العلماء عن وظيفتهم في حمل أمانة العلم، وفقدانِ الثقة بأهل العلم، وبروز الأئمة المضلين، وتصدرِ صغار المتعلمين، وانتشارِ التحاسد بين أهل العلم، ويَلْحَقُ به ضعفُ البناءِ العلمي، إذ انفصَمَ العلمُ عن واقعِ الحياةِ، وأصبحَ التنافسُ على تقلدِ المناصبِ والشهرةِ ظاهرةً عامةً .
2- ظهور الفوضى الفكرية، وذلك باندساس أناسٍ ضعفت أمانَتُهم العلميةُ إلى حد الكذب على رسول الله r بين المسلمين، واتباع الهوى، والتلاعب بأحكام الدِّين، مما أسهم في بروز المتعالمين؛ الذين يتقولون على الشرع بغير علم ولا هدى، وفي تفشي السرقات العلمية، وإهدار جهود العلماء المخلصين وضياع نتاج المفكرين الصادقين .





المبحث الأول: شروط قيام جريمة خيانة الأمانة
    بالتمعن في النص القانوني لجريمة خيانة الأمانة يتضح أنها تقوم بتوفر جملة من الشروط الممهدة ، إضافة إلى شروط أخرى مؤسسة لقيامها.
المطلب الأول :الشروط الممهدة لجريمة خيانة الأمانة
   أوجب الفصل 297 م ج ضرورة توفر عدة شروط أولية ممهدة لقيام جريمة خيانة الأمانة و تنحصر هذه الشروط في ضرورة وجود عقد من عقود الأمانة (فقرة أولى) بالإضافة إلى تسليم الشيء بصفة إرادية و مؤقتة للجاني (فقرة ثانية).
فقرة أولى : ضرورة وجود عقد من عقود الأمانة
   تقوم جريمة خيانة الأمانة باستيلاء الجاني على شيء تسلمه من المتضرر بمقتضى أحد العقود المدنية المعددة على سبيل الحصر بالفصل 297 من م.ج، (1). تبعا لذلك يجد القاضي الجزائي نفسه مجبرا على إثبات وجود العقد الذي وقع على أساسه تسليم الشيء للجاني و منحه التكييف القانوني الصحيح (2).
1- القائمة الحصرية لعقود الأمانة:
    قبل التطرق لجملة هذه العقود، يبدو من المفيد التأكيد على أن القانون الجزائي يعاقب على الاستيلاء على الشيء المسلم إلى الجاني بمقتضى أحد هذه العقود فحسب و أن مسألة عدم تنفيذ بنود العقد هي مسألة مدنية تخضع لقواعد القانون المدني.[11]
   بالرجوع إلى النص القانوني عن الفصل 408 من المجلة الجنائية الفرنسية القديمة للجريمة نستخلص وجود قائمة حصرية بستة عقود يؤدي الاستيلاء على الشيء المسلم بمقتضاها إلى قيام جريمة خيانة الأمانة وهي عقود الكراء، الوديعة، الوكالة، التوثقة، الإعارة، و القيام بعمل معين بأجر أو بدونه.
   نفس هذه القائمة الحصرية وردت بالفصل 341 من قانون العقوبات المصري. كما أقرت محكمة النقض المصرية أنه:"لا يصح إدانة متهم بجريمة خيانة الأمانة إلا إذا اقتنع القاضي انه تسلم المال بعقد من عقود الائتمان الواردة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات..."[12] .
أ= التأجير:
  كرس القانون الجزائي حماية لعقد التأجير فالجاني يعاقب جزائيا إذا استولى على أشياء سلمت له بمقتضى هذا العقد. و قد عرف الفصل 727 من م.ا.ع عقد التأجير بكونه "عقد يسلم به أحد الفريقين للآخر منفعة شيء منقول أو غير منقول مدة بعوض يلتزم له بأدائه الفريق الآخر".
    لئن كان هذا التعريف ينسحب على المنقولات و العقارات معا، فإن عقد التأجير المقصود به في جريمة خيانة الأمانة هو عقد تأجير المنقولات فحسب. كما أن القانون الجزائي في هذا الإطار لا يعاقب على إخلال أحد الطرفين بالتزاماته المتعلقة بعقد التأجير ذلك أن هذا الأمر راجع لقواعد القانون المدني، فجريمة الفصل 297 من م.ج لا تتوفر إلا إذا استولى الجاني على الأشياء التي تسلمها بمقتضى عقد التأجير و رفض إرجاعها للمتضرر محولا بذلك حيازته لها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة[13].
    قد يطرح  عقد التأجير بعض الإشكاليات من الناحية التطبيقية ذلك أنه يصعب في بعض الأحيان تحديد الصنف القانوني لبعض العقود و تحديد ما إذا كانت هذه العقود تدخل تحت طائلة الفصل 297 و يكون الاستيلاء على الأشياء المسلمة بمقتضاها مكونا لجريمة خيانة الأمانة. و يمكن أن نذكر على سبيل المثال عقد الإقامة بالفندق. فهل أن النزيل الذي يستولي على بعض الأثاث الموجود بالغرفة يعتبر مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة؟
  إن الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون إلا بالنفي، ذلك انه خلافا لعقد تأجير شقة مؤثثة و الذي يمنح للمستأجر حق حيازة الأثاث و حفظه إلى حين انتهاء مدة التأجير ، فان عقد الإقامة بفندق لا يمنح للمقيم سوى حق استعمال الأثاث أما الحفظ فهما حكر لصاحب الفندق[14]. فيكون المقيم بالتالي مرتكبا لا لجريمة خيانة الأمانة و إنما لجريمة السرقة.
  و لعل نفس الإشكال يمكن أن يطرح بالنسبة لعقد الإيجار المالي الذي عرفه الفصل الأول من القانون عدد 89 لسنة 1994 المؤرخ في 26تموز 1994 بأنه "إيجار تجهيزات أو معدات أو عقارات مقتناة أو منجزة لغرض الإيجار من قبل المؤجر الذي يبقى مالكا لها معدة للاستعمال في الأنشطة المهنية أو التجارية أو الصناعية أو الصيد البحري أو في الخدمات، و يتم الإيجار المالي بمقتضى عقد كتابي لمدة محدودة و مقابل معلوم معين و يخول للمستأجر اقتناء تلك التجهيزات أو المعدات أو العقارات أو البعض منها في نهاية أمد الإيجار مقابل ثمن متفق عليه يأخذ بعين الاعتبار على الأقل في جزء منه المبالغ المدفوعة بعنوان الإيجار و يمكن للمستأجر اقتناء تلك التجهيزات أو المعدات أو العقارات أو البعض منها خلال مدة الإيجار باتفاق مع المؤجر".
  لئن كان عقد الإيجار ينبني في روحه و جوهره على وعد بالبيع إلا أن المشرع أقر صراحة بأنه عقد التأجير [15] ويثبت ذلك من خلال استعمال ألفاظ "إيجار"، "المؤجر" و "المستأجر". و تبعا لذلك فان المستأجر الذي يستولي على الأشياء التي سلمت له بمقتضى هذا العقد يعاقب جزائيا من اجل ارتكابه لجريمة خيانة الأمانة.
  و تجدر الإشارة في إطار دراسة عقد التأجير كعقد من عقود الأمانة إلى إشكالية تتعلق بتاريخ ارتكاب الجريمة. فالسؤال المطروح إذا هو التالي: هل تقوم جريمة خيانة الأمانة عند انتهاء مدة التأجير و رفض المستأجر تسليم الأشياء التي بحوزته للمتضرر، أم أن تاريخ ارتكاب الجريمة هو تاريخ ارتكاب فعلتي الاختلاس أو الإتلاف؟
 اعتبر بعض الفقهاء أن تاريخ ارتكاب الجريمة يمكن أن يتزامن مع تاريخ  وقوع الفعل المادي المكون لها كالاختلاس أو التبديد[16]. إلا أن فقه القضاء المصري نص في إحدى قراراته على أن جريمة خيانة الأمانة "لا تقوم ما دامت مدة الإيجار لم تنته بعد لان المستأجر مسئول عن رد ما تسلمه إلى صاحبه في نهاية  هذه المدة، فلا يمكن القول بتوافر سوء النية عنده قبل ذلك، و سوء النية شرط ضروري في جريمة التبديد".[17]
    و لعل الموقف الذي يبدو أكثر وجاهة هو ذاك الذي يعتبر تاريخ ارتكاب الجريمة هو تاريخ انتهاء مدة التأجير باعتبار أنه لا يمكن الإقرار عمليا برفض المكتري تسليم الأشياء التي بعهدته إلا بعد انتهاء عقد الإيجار.

ب=الوديعة:
   الوديعة عقد عيني موضوعه "شيء منقول يتسلمه شخص من آخر بمقتضى عقد ليحفظه و يرده بعينه"[18]. فعقد الوديعة يلزم المودع لديه بحفظ الشيء و الالتزام برده بعينه بانتهاء مدة العقد، و لا يمنح هذا الأخير أي حق في التصرف أو الانتفاع أو حتى مجرد الاستعمال[19]. إلا أنه رغم ذلك فإن جريمة خيانة الأمانة لا تتوفر إذا أقدم المودع لديه على استعمال الأشياء المحفوظة لديه لمنفعته الخاصة، فالجريمة لا تقوم إلا إذا رفض هذا الأخير تسليم الوديعة أو قام بإتلافها عن قصد.
  كما تجدر الإشارة إلى أن الوديعة يمكن أن تكون اختيارية أي مصدرها العقد، اضطرارية أو قضائية. فالوديعة الاضطرارية عرفها الفصل 1003 من م.ا.ع على أنها تلك التي "يضطر إليها بأمر قهري أو حادثة طارئة كالحريق و الغرق و ما أشبه ذلك". كما جاء بإحدى قرارات محكمة التعقيب أن "الوديعة الاضطرارية تنحصر بنص القانون في ظروف خاصة يتوفر فيها ركن المفاجأة و استحالة الحصول على كتب كالحريق و الغرق"[20].
  أما الوديعة القضائية فتقتضي أن يكون المودع لديه مؤتمنا عدليا، مصفيا، متصرفا قضائيا.
إن القراءة الحرفية للفصل 995 م.ا.ع تفضي إلى الإقرار بضرورة توفر ثلاثة شروط لقيام عقد الوديعة وهي أولا تسليم شيء منقول للمودع لديه، ثانيا التزام هذا الأخير بحفظه و ثالثا التزامه برد الشيء الذي تسلمه بعينه.
   و في هذا المستوى تجدر الملاحظة أنه إذا كان الشيء المودع من المثليات و منح المودع لديه الإذن في استعماله فلا وجود في هذه الحالة لعقد وديعة و إنما لعقد قرض. فقد نص الفصل 996 من م.ا.ع على أنه "إذا أودع إنسان شيئا من المثليات أو أوراقا للحامل أو حصصا تجارية و أذن المستودع في استعمالها على أن يرجع مثل ذلك قدرا و نوعا و صفة فالعقد تجري عليه أحكام القرض". وهو ما سمي بالوديعة الناقصة"" " وهي تتميز عن "الوديعة التامة" بالإذن للمودع لديه باستعمال النقود[21].

ت= الوكالة
   عرف الفصل 1104 من م.ا.ع الوكالة بأنها :" عقد يكلف به شخص شخصا آخر بإجراء عمل جائز في حق المندوب". و بناء على ذلك فإن الوكيل الذي يستولي على الأشياء التي تسلمها من موكله بمقتضى الوكالة يكون مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة. في حين أن الوكيل الذي يخل بعقد الوكالة فيتجاوز حدود وكالته فإنه لا يعاقب جزائيا من أجل جريمة خيانة الأمانة و إنما يلزم بالتعويض طبقا لقواعد القانون المدني.[22]
   و تجدر الإشارة إلى أن جريمة خيانة الأمانة لا تقوم في صورة استيلاء الوكيل على الأشياء التي تسلمها من الموكل فحسب و إنما أيضا في صورة الاستيلاء على الأشياء التي تسلمها من الغير بمقتضى عقد الوكالة. فإذا كلف الموكل الوكيل ببيع شيء معين فقام هذا الأخير بالزيادة في ثمن البيع مستوليا على الفارق في الثمن فإنه يكون مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة.[23]
   و حكم الفصل 297 من م.ج المتعلق بخيانة الأمانة ينطبق على الوكالة مهما كان نوعها سواء كانت وكالة اتفاقية، أو وكالة قانونية أو وكالة قضائية. فالوكالة الاتفاقية هي التي يكون مصدرها العقد و تتحقق بالإيجاب و القبول و الوكالة القانونية فأساسها القانون كوكالة الولي على أموال القاصر. أما الوكالة القضائية فهي التي تقوم بأمر القاضي و تجمع كل من المتصرف القضائي و المصفي.
و في هذا الإطار يبدو من المفيد التطرق إلى مسألة التشابه الكبير بين الوكالة و الفضالة. فقد نص الفصل 1179 من م.ا.ع على أنه "إذا باشر شخص مصالح غيره اختيارا أو ضرورة بدون إذن منه أو من القاضي في مغيبه أو بدون علمه فإنه يترتب على ذلك التحاق تصرفه بتصرف الوكيل". وهو ما أقرته محكمة التعقيب[24]. كما نص الفصل 1182 من م.ا.ع على أنه :"على الفضولي ما على الوكيل من تقديم الحساب و ترجيع ما تسلمه بمقتضى تداخله إلى غير ذلك مما يلزمه إن لو كان بيده توكيل صريح".
   ولئن نزل المشرع الفضالة منزلة الوكالة و أوردها تحت عنوان "في شبه العقود المنزلة منزلة الفضالة" فإن الاستيلاء على أشياء من قبل الفضولي لا يمكن منطقيا أن تقوم معه جريمة خيانة الأمانة لكون الفضالة شبه عقد و لكون القياس ممنوع في المادة الجزائية.

ج= الرهن:
  إستعمل المشرع بالفصل 297 من م.ج عبارة التوثقة عوضا عن "الرهن" وهي تدل على نفس المعنى. و قد جاء بالفصل 201 من م.ح.ع أن الرهن "عقد يخصص بموجبه المدين أو من يقوم مقامه شيئا منقولا أو عقارا أو حقا مجردا لضمان الوفاء بالتزام و يخول للدائن الحق في استيفاء دينه من ذلك الشيء قبل غيره من الدائنين إذا لم يوف له المدين بما عليه".
   و يجدر لفت الانتباه في هذا المجال إلى أن الرهن الذي تقوم معه جريمة خيانة الأمانة هو رهن المنقولات فحسب.
   و الإشكال الذي يمكن أن يطرح في هذا الإطار هو التالي: هل تقوم جريمة خيانة الأمانة إذا كان الشيء المرهون نقودا أو سندات لحامل أو أشياء من المثليات و استولى الدائن المرتهن عليه؟
   بالرجوع إلى الفصل 201 من م.ح.ع  نستخلص أن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي التمييز بين ما إذا كانت الأشياء المرهونة نقودا أو سندات لحامل. فبالنسبة للنقود، إذا سلمت في ظرف مغلق فإن الاستيلاء عليها تقوم معه جريمة خيانة الأمانة[25]، أما إذا سلمت في ظرف غير مغلق فإن جريمة الفصل 297 من م.ج لا تقوم لأن الأمر أصبح يتعلق بعارية الاستهلاك وهي عقد غير منصوص عليه بالقائمة الحصرية التي جاء بها الفصل 297 م.ج. في حين أنه إذا تعلق الأمر بسندات لحامل فإن جريمة خيانة الأمانة تنطبق في صورة استيلاء الدائن المرتهن عليها حتى لو سلمت بظرف غير مغلق ذلك أنه ليس لهذا الأخير "أن يتصرف فيها إلا بإذن صريح و كتابي من صاحبها"[26] .
  كما يلتزم الدائن المرتهن بحفظ المرهون و صيانته و إرجاعه إلى الراهن بمجرد تنفيذ المدين لالتزاماته فإذا استولى على الشيء المرهون عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة.
 و قد جاء بإحدى قرارات محكمة التعقيب أن "رهن المصوغ عند المرتهن وديعة مؤتمن عليها و الخيانة فيها توجب العقاب إذا ما ثبت بصفة قطعية أن المرتهن تسلمها و استولى عليها و لم يرجعها خيانة منه"[27].
  كما يرتكب الدائن المرتهن جريمة خيانة الأمانة إذا قام برهن الشيء المرهون لديه ضمانا لدين عليه لدى شخص آخر.[28]

ح= الإعارة :
  عرف الفصل 1055 من م.ا.ع إعارة الاستعمال بأنها:"عقد يسلم به أحد الطرفين شيئا للآخر لينتفع به مدة معينة أو في غرض معين على أن يرجع المستعير عين المعار و يبقى للمعير ملكية الشيء بحيث لا يكون للمستعير إلا المنفعة". فإذا استولى المستعير على شيء منقول تسلمه بمقتضى عقد إعارة عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة.
   و تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن العارية صنفان: إعارة استعمال و إعارة استهلاك (القرض)، و المقصود بالإعارة حسب الفصل 297 من م.ج هو إعارة الاستعمال. فإعارة الاستهلاك "عقد على دفع شيء مما يستهلك أو منقول على أن يرجع له المقترض نظير ذلك نوعا و قدرا و وصفا عند انقضاء الأجل المتفق عليه".[29]
   وهو ما يستخلص منه أن الشيء المستعار في إعارة الاستهلاك هو من المثليات و المستعير ملزم  برد مثله نوعا و قدرا و وصفا. أما في إعارة الاستعمال فالشيء المستعار من القيميات و بالتالي فهو لا يهلك بالاستعمال و المستعير ملزم برد عين المعار.
   وهو ما أكدته محكمة التعقيب في العديد من قراراتها إذ أقرت مثلا أن "إعارة الشيء مثل المحراث لمن ينتفع به ثم يرده فإن عدم ترجيعه و الاستيلاء عليه تتكون منه ضده جريمة الخيانة المعاقب عنها بالفصل 297 م.ج و بذلك فإن الحكم بعدم سماع الدعوى يكون خارقا للقانون و مستوجبا للنقض من أجل ذلك"[30].
  و تبعا لما سبق ذكره فإن أساس التمييز بين إعارة الاستهلاك و إعارة الاستعمال هو الالتزام برد الشيء بعينه أو بعبارة أدق طبيعة الشيء موضوع العقد أي إذا كان من المثليات أو من القيميات. فإذا كانت الإعارة شيئا من المثليات كالنقود فإن العقد هو إعارة استهلاك أما إذا كانت من القيميات كسيارة مثلا فإن العقد هو إعارة استعمال. إلا أنه و في كل الأحوال، يبقى المرجع الأساسي في تحديد طبيعة العقد هو إرادة الأطراف.
   و يطرح في هذا الإطار إشكال يتعلق بتحديد طبيعة العقد إذا ما تعلق الأمر بتسليم شيء إلى شخص لتجربته قصد شرائه. و السؤال المطروح هو التالي: هل يتعلق الأمر بجريمة خيانة الأمانة أم بجريمة السرقة إذا ما استولى الجاني على هذا الشيء؟
   للإجابة عن هذا السؤال ينبغي التمييز بين حالتين. فإذا تسلم شخص شيئا لاستعماله و تجربته لمدة طويلة قبل تحديد موقفه فإن الاستيلاء عليه من قبله تتوفر معه جريمة خيانة الأمانة و العقد يعتبر إعارة استعمال. أما إذا تسلم شخص شيئا لتجربته و الإطلاع عليه للحظات و رده حينا فإن يده على الشيء تعتبر عارضة و بالتالي يكون استيلاؤه عليه جريمة السرقة.[31]
  و أخيرا و في صورة إخلال المستعير بالتزاماته في المحافظة على الشيء، فإن للمعير حق القيام ضده طبقا لقواعد القانون المدني.[32]


خ= القيام بعمل بأجر أو بدونه
   تقوم جريمة خيانة الأمانة إذا استولى شخص على أشياء سلمت له كي يقوم بأعمال معينة كمن يسلم أخشابا لنجار ليقوم بصنع الأثاث منها أو كمن يسلم تلفازا إلى شخص لإصلاحه و يكون ذلك إما بأجر أو بدون أجر.
   و يمكن أن نذكر في إطار القيام بعمل بأجر ثلاثة أنواع من العقود وهي الإجارة على الخدمة، الإجارة على الصنع و عقد النقل. فبالنسبة للإجارة على الخدمة فهي "عقد يلتزم به أحد المتعاقدين للآخر مباشرة خدمة معينة بأجل أو إتمام عمل في مقابلة أجر يلتزم الآخر بأدائه"[33]. وهو ما يقصد به عقد الشغل.
    أما الإجارة على الصنع فهي "عقد على اصطناع شيء معين بالوصف المنضبط في مقابلة أجر معين"[34] وهو ما يعرف بعقد المقاولة. و عقد النقل هو "اتفاق يلتزم بمقتضاه متعهد النقل مقابل ثمن معين بأن يتولى إيصال شخص أو شيء إلى مكان معين"[35].
   في حين أنه بالنسبة للقيام بعمل بدون أجر فإن الأمر يتعلق بعقد غير مسمى أساسه التبرع فقد يلتزم شخص بإصلاح سيارة صديقه ثم يستولي عليها فيعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة حتى لو كان التزامه للقيام بذلك العمل مجانا.
   و تجدر الملاحظة في هذا الإطار أنه يمكن أن يطرح إشكال يتعلق بتكييف الاختلاس الواقع من الأجراء على أنه سرقة أو خيانة أمانة.
    حسب الفقيه Garçon  فإن معيار التمييز بين الجريمتين هو نوع الحيازة. فإذا كانت الأشياء التي قام الخادم باختلاسها قد انتقلت حيازتها إليه حيازة ناقصة فإن الجريمة المرتكبة هي خيانة الأمانة، أما إذا كانت حيازته لها مجرد حيازة عارضة فإنه يعد مرتكبا لجريمة السرقة[36].
  و قد اعتبر فقه القضاء التونسي أن "عامل الفندق المكلف من طرف مخدومه بمساعدة السياح النزلاء في تراتيب الصرف بمساعدتهم على تحويل عملتهم يعتبر أجيرا لدى صاحب النزل"[37]. و الجريمة المرتكبة من قبله هي جريمة الفصل 297 من م.ج وهو ما أكدته محكمة التعقيب في إحدى قراراتها الذي جاء فيه أنه "طالما و أن لا جدال في كون المتهم كان مستخدما بالنزل و مؤمنا على الأموال المتحصلة من عمله فالتهمة الموجهة له بالاستيلاء على مقدار معين منها تعتبر موصوفة على معنى الفقرة الثانية من الفصل 297 من م.ج"[38].
يستخلص مما سبق ذكره أن جريمة خيانة الأمانة لا تقوم إلا بتوفر عقد من عقود الأمانة سالفة الذكر وهو ما يستوجب على القاضي الجزائي إثباته.

2= إثبات وجود العقد و تكييفه:
   إن اختصاص القاضي الجزائي لا ينحصر فحسب في إثبات المسائل الجزائية المتعلقة بأفعال الإختلاس و الإتلاف التي تمثل _كيفما سنبينه لاحقا_ الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة، و إنما يختص كذلك بالنظر في المسائل المدنية المتعلقة بإثبات وجود العقد و تكييفه.
   إذ بمناسبة نظره في جريمة خيانة الأمانة يجد القاضي نفسه ينظر في مسألة وجود العقد الذي وقع تسليم الشيء بمقتضاه إلى الجاني. فجريمة خيانة الأمانة تتوفر بوقوع الاستيلاء على المال المؤمن بمقتضى عقد من العقود المدنية المعددة على سبيل الحصر بالفصل 297 من م.ج لذلك فإن القاضي الجزائي يختص بالنظر في وجود هذا العقد و مدى صحته و لا تمنعه من ذلك الصبغة المدنية لهذه المسائل تطبيقا للمبدأ القائل بأن " قاضي الأصل هو قاضي الدفع" فالقاضي المختص بالنظر في الدعوى الأصلية هو كذلك مختص بالنظر في المسائل المتفرعة عنها. فليس من المنطقي أن يوقف القاضي الجزائي النظر في الدعوى الجزائية المتعلقة بجريمة خيانة الأمانة إلى حين بت القاضي المدني في وجود العقد من عدمه حتى في صورة وجود دعوى مدنية بخصوص ذلك العقد[39].
   و بما أن العقد مسألة مدنية فإنه يخضع من حيث إثباته إلى قواعد القانون المدني، خلافا لأفعال الاختلاس و الإتلاف التي يقع إثباتها عملا بقواعد الإثبات في المادة الجزائية المتميزة بحرية الإثبات. فنوع الموضوع المطروح على القضاء هو المحدد الأساسي لطريقة الإثبات[40]. فإذا كان الموضوع مدنيا فإنه يخضع لقواعد الإثبات المعمول بها في المادة المدنية حتى لو كان هذا الموضوع مطروحا على القاضي الجزائي. و بما أن مسألة وجود العقد تعتبر من الشروط الأولية لقيام جريمة خيانة الأمانة و ليست من الأركان القانونية للجريمة فهي بالتالي لا تخضع لقواعد الإثبات في المادة الجزائية و إنما للقواعد المدنية للإثبات المنصوص عليها بمجلة الالتزامات و العقود.
    على هذا الأساس يمكن إثبات وجود العقد عن طريق الإقرار. فإذا أقر الجاني بوجود هذا العقد فإن ذلك يعد كافيا. و إقرار الجاني بوجود عقد الأمانة يمكن أن يكون حكميا أو غير حكمي. فالإقرار الحكمي هو "الإعتراف لدى القضاء من خصم أو من وكيله المأذون بخصوص ذلك و يطلق الإقرار الحكمي على ما صدر لدى قاض لا نظر له في الدعوى أو في أثناء قضية أخرى"[41]. أما الإقرار غير الحكمي فهو الذي  " لم يصدر لدى قاض و قد يحصل من كل فعل مناف لما يدعيه الخصم"[42]. فإذا أقر الجاني بوجود عقد الأمانة أصبح البحث عن طرق إثبات أخرى غير ذي جدوى. و تجدر الإشارة في هذا المجال بأنه لا تجوز تجزئة الإقرار بأن يؤاخذ المقر ببعضه دون الكل عملا بالقاعدة الواردة بالفصل 438 من م.ا.ع.
   كما يمكن إثبات وجود عقد الأمانة باعتماد اليمين، فلا شيء يمنع قانونا من اللجوء إلى اليمين كوسيلة إثبات بما أن عقد الأمانة يخضع لقواعد الإثبات المدنية.
   و اليمين إما أن تكون يمينا حاسمة وهي " اليمين التي يوجهها أحد الخصمين على الآخر حسما للنزاع" و إما أن تكون يمين استيفاء وهي " اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه على أحد الخصمين"[43].
غير أن فقه القضاء الفرنسي اعتبر أنه لا يجوز اعتماد اليمين كوسيلة إثبات للعقود المدنية في جريمة خيانة الأمانة[44].
   أما بخصوص الشهادة فإنه يجوز إثبات عقد الأمانة في جريمة الخيانة باعتماد شهادة الشهود إذا كانت قيمة العقد تساوي أو تقل عن ألف دينار تطبيقا للفصل 473 من م.ا.ع الذي جاء به أن " شهادة الشهود لا تكون بينة في الاتفاقات و غيرها من الأسباب القانونية التي من شأنها إحداث التزام أو حق أو إحالة ذلك أو تغييره أو الإبراء منه إذا كان قدر المال أكثر من ألف دينار فيجب حينئذ تحرير حجة رسمية أو غير رسمية للبينة فيه".
و قد اعتبر فقه القضاء التونسي أن إثبات العقد الذي تجاوزت قيمته الألف دينار عن طريق الكتابة هي أحكام تهم النظام العام فلا يجوز تبعا لذلك إثبات هذا النوع من العقود بوسيلة أخرى غير الكتب حتى و لو قبل المدين بذلك، خلافا لموقف فقه القضاء الفرنسي و المصري اللذان اعتبرا أن هذه الأحكام لا تهم النظام العام "[45].
  في حين جاء بأحد قرارات محكمة النقض المصرية أن " المادة 125 من القانون المدني تبيح إثبات عقد الوديعة بالبينة في حالة وجود مانع لدى صاحب الحق من الحصول على سند بالكتابة من غريمه و المانع كما يكون ماديا يجوز أن يكون أدبيا. و تقدير وجود المانع أو عدم وجوده من شأن قاضي الموضوع فإذا رأى القاضي- لعلاقة الأخوة بين المودع و المودع لديه و لاعتبارات أخرى أوردها بالحكم- قيام هذا المانع و قبل إثبات الوديعة بالبينة فلا معقب على رأيه في ذلك"[46].
     كما جاء بقرار آخر صادر عن محكمة النقض المصرية أن " وجوب الإثبات بالكتابة في المواد المدنية ليس من النظام العام فيجوز التنازل عنه و قبول الإثبات بالبينة و القرائن. و لذلك فإن المتهم إذا لم يتمسك لدى محكمة الموضوع-قبل سماع الشهود- بعدم جواز الإثبات بالبينة فهذا يعتبر قبولا منه للإثبات بهذه الطريقة"[47].
  كما يمكن الإشارة إلى أن مهمة القاضي الجزائي لا تنحصر في التثبت من وجود عقد الأمانة الذي تسلم بمقتضاه الجاني عقد الأمانة و إنما تتسع لتكييف ذلك العقد. و يقصد بالتكييف إعطاء الوصف القانوني للعقد أي وضعه ضمن صنف قانوني معين.
   فعلى القاضي الجزائي عند النظر في عقد الأمانة أن يحدد نوع ذلك العقد حتى يتسنى تبعا لذلك تحديد الآثار القانونية المترتبة عنه، إذ لا يكفي أن يتثبت القاضي من أن العقد الذي وقع بمقتضاه تسليم الشيء المؤمن للجاني يدخل تحت طائلة القائمة الحصرية المنصوص عليها بالفصل 297 من م.ج، بل إنه يجب على القاضي أن يعطي للعقد وصفه القانوني كأن يكيفه مثلا بكونه عقد وديعة أو وكالة أو كراء.
  و قد يحصل أن يعطي الأطراف وصفا قانونيا للعقد مختلفا عن الوصف الذي يحدده القاضي. في هذا الإطار تجدر الملاحظة بأن القاضي الجزائي غير مقيد بتكييف الأطراف للعقد. فإذا وصف هؤلاء العقد بأنه عقد وديعة و تبين فيما بعد للقاضي الجزائي أن الأمر يتعلق بعقد قرض خارج عن قائمة الفصل 297 من م.ج فإنه يستبدل ذلك الوصف المعطى من قبل الأطراف بالوصف القانوني الصحيح.
 لئن كانت جريمة خيانة الأمانة لا تقوم إلا بوجود عقد من عقود الأمانة المنصوص عليها بالفصل 297  م.ج إلا أن ذلك لا يكفي، إذ لابد من تسليم الشيء موضوع الجريمة إلى الجاني.

 ضرورة تسليم الشيء بصفة إرادية و مؤقتة للجاني
إن تسليم الشيء موضوع جريمة خيانة الأمانة إلى الجاني هو الشرط الثاني الممهد لقيامها.
قبل التطرق إلى مفهوم التسليم و خصائصه، يبدو من المفيد تحديد الطبيعة القانونية للشيء موضوع جريمة خيانة الأمانة .
1 الطبيعة القانونية للشيء موضوع الجريمة:
   أدرج الفصل 297 م.ج الأشياء التي يمكن أن تكون موضوعا لجريمة خيانة الأمانة ضمن صنف المنقولات، إذ جاء به أن هذه الأشياء يمكن أن تكون" سندات أو نقودا أو سلعا أو رقاعا أو تواصل أو غير ذلك من المكاتيب المتضمنة للالتزام أو الإبراء أو القاضية بهما". فموضوع جريمة خيانة الأمانة إذا ينسحب على المنقولات دون العقارات.
    و يستنتج من قراءة الفصل 297 م.ج أن موضوع جريمة خيانة الأمانة يجب أن يكون مالا قابلا للتعامل فيه فتخرج بالتالي عن نطاق هذه الجريمة الأشياء غير المشروعة كالمخدرات مثلا. في حين أن هناك من يرى أن مشروعية العقد من عدمها لا تأثير لها على قيام الجريمة، فقد جاء مثلا في إحدى قرارات محكمة النقض المصرية أن " مناط العقاب في المادة 296 عقوبات ليس الإخلال بتنفيذ العقد و إنما  هو العبث بملكية الشيء المسلم بمقتضى العقد. و إذا فعدم مشروعية العقد أو بطلانه لا يعفي المؤتمن من رد ما تسلمه من المال بمقتضاه[48]. هذا الموقف تبناه فقه القضاء الفرنسي في عديد القرارات[49].
كما تجدر الإشارة إلى أن موضوع جريمة خيانة الأمانة يجب أن يكون شيئا ماديا ذي قيمة مالية كالنقود أو الأثاث أو أي نوع من "السلع". فالمشرع الليبي استعمل عبارة "سلع" وهي عبارة عامة تمكن من استيعاب عديد المنقولات. كما تدخل ضمن قائمة الأشياء التي يمكن أن تكون موضوعا لجريمة خيانة الأمانة "السندات و الرقاع و التواصل و غير ذلك من المكاتيب المتضمنة للالتزام أو الإبراء أو القاضية بهما"، وهي كذلك عبارة مطلقة تبين حرص المشرع على سن حماية جزائية ناجعة لحق ملكية المنقولات.
    و يبدو من المفيد الملاحظة في هذا الإطار أن العقود و الكتائب التي يمكن أن تكون موضوعا لجريمة خيانة الأمانة هي تلك التي تكون لها قيمة مالية فحسب، إذ لا تقوم هذه الجريمة إذا ما استولى شخص على رسالة مثلا.
    و لئن عدد الفصل 297 من م.ج المنقولات المادية فحسب مقصيا بذلك الأشياء المعنوية من نطاق موضوع الجريمة، فقد اعتبر الفقه الفرنسي و كذلك المصري أن موضوع هذه الجريمة يمكن أن يكون شيئا معنويا[50].
    و يمكن أن يطرح إشكال يتعلق بمعرفة ما إذا كانت العقارات الحكمية تدخل ضمن قائمة الأشياء التي تقوم جريمة خيانة الأمانة بالاستيلاء عليها. إن الإجابة المنطقية و القانونية عن هذا الإشكال تقتضي الإقرار بأن هذه العقارات يمكن أن تكون موضوعا لجريمة الفصل 297 من م.ج لأنها في الأصل منقولات و اكتسبت صفة العقار بحكم القانون نظرا لاتصالها به أو رصدها على خدمته و استغلاله.
  و أخيرا و بصفة بديهية يجب أن تكون الأشياء المستولى عليها ملكا للغير الذي سلمها للجاني.
   2 مفهوم التسليم و خصائصه:
    يقصد بالتسليم أخذ الشيء و نقله ماديا من حائزه السابق ووضعه بحيازة المتسلم. و التسليم يمكن أن يكون فعليا أو اعتباريا أي معنويا.
  فالتسليم الفعلي هو نقل الشيء ماديا ووضعه في حيازة المتسلم أما التسليم الإعتباري فيقتضي أن يكون "الجاني حائزا للشيء من قبل ارتكابه للجريمة و قبل تسلمه للشيء بمقتضى عقد من عقود الأمانة"[51]. و مثال ذلك البائع الذي يبيع شيئا للمشتري و يتركه لديه على سبيل الوديعة، فإذا استولى عليه عد خائنا للأمانة.
   حتى تقوم جريمة خيانة الأمانة يجب أن ينقل التسليم الحيازة الناقصة. فالحيازة الكاملة و الحيازة العارضة لا يمكن أن تقوم معهما جريمة الفصل 297 من م.ج. فالحيازة التامة هي التي يتوفر فيها العنصران المادي و المعنوي. و يشمل العنصر المادي "جميع الأفعال المادية التي تفيد معنى الحيازة، كاستعمال الشيء و بيعه و رهنه و التصرف فيه بالهبة أو الوصية أو أي تصرف آخر". أما العنصر المعنوي فيتمثل في اعتقاد الحائز بأنه " يحوز الشيء بصفته مالكا له"[52].
     في حين أن الحيازة العارضة هي "أضعف أنواع الحيازة بحيث يضع الحائز يده على المال بطريقة عارضة دون أن تكون له أية سلطة على المال"[53] .
  و قد أقر فقه القضاء المصري أن "الخادم الذي يختلس مال مخدومه يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة إذا كان المال قد سلم إليه على سبيل الأمانة أما إذا كانت يده على المال لا تكون إلا مجرد حيازة عارضة غير مقصود فيها انتقال الحيازة إليه فإنه يكون مرتكبا لجريمة السرقة"[54].
   أما الحيازة الناقصة فهي تمنح للحائز بعض السلطات على الشيء دون أن تكون له صفة المالك.
    و تجدر الملاحظة في هذا الإطار إلى أن التسليم يجب أن يكون إراديا و بصفة مؤقتة. فالخاصية الأولى تميز جريمة خيانة الأمانة عن جريمتي السرقة و التحيل، ذلك أن الجاني في خيانة الأمانة يتسلم الشيء محل الجريمة بمقتضى إرادة المتضرر. فالإرادة الحرة تتوفر عندما يكون التسليم غير ناتج عن إكراه سواء كان ماديا أو معنويا أو عن حيل أو غش من الجاني أو مشاركه[55]. فإذا حصل الجاني على المال دون علم المجني عليه أو غصبا عنه فإن الجريمة القائمة هي سرقة و ليست خيانة أمانة. أما إذا حصل الجاني على المال من المجني عليه باستعمال الحيل و الخزعبلات فإن الجريمة المتوفرة هي جريمة التحيل.
و بالتالي فإن غياب التسليم الاختياري يؤدي بالضرورة إلى إعادة تكييف ماديات الفعلة و ذلك لمحاولة إيجاد التكييف الحقيقي للجريمة.
   أما فيما يتعلق بالخاصية الثانية فهي تتمثل في الصفة المؤقتة للتسليم. فقد نص الفصل 297 من م.ج أن تسليم الأشياء محل الجريمة يكون "بشرط ترجيعها أو إحضارها أو استعمالها في أمر معين".
    و يقصد بالتسليم المؤقت التسليم الناقل للحيازة الناقصة فيكون المتسلم بالتالي ملزما بإرجاع الشيء إلى مالكه عند طلبه منه أو عند انتهاء العقد.
بالرجوع إلى ما سبق ذكره نتبين ضرورة وجود شروط أولية تمهد لقيام جريمة خيانة الأمانة، إلا أن ذلك لا يكفي إذ لابد من إتيان الجاني لأفعال مادية تجسد نية الاستيلاء على الشيء إضرارا بمالكه.

الشروط المؤسسة لجريمة خيانة الأمانة
  تستوجب جريمة خيانة الأمانة لقيامها توفر ركن مادي متمثل في الإختلاس أو الإتلاف (فقرة أولى) كما تستوجب ركنا معنويا هو نية الإضرار بمالك الشيء (فقرة ثانية).
فقرة أولى: الركن المادي: الاختلاس أو الإتلاف
   ينص الفصل 297 من م.ج على عقاب الجاني الذي "يختلس أو يتلف" الأشياء المؤمنة لديه. و يقصد بالإختلاس في جريمة خيانة الأمانة "كل فعل يعبر به الأمين عن إضافة الشيء إلى ملكه دون أن يخرج من حيازته"[56]. و قد جاء في فقه القضاء المصري أن "الإختلاس يتم في جريمة خيانة الأمانة متى غير الحائز حيازته الناقصة إلى حيازة كاملة بنية التملك"[57]. وهو ما جاء أيضا في تعريف الفقيه Garçon للإختلاس. و بناء على ذلك يصبح الجاني يتصرف في الشيء المؤمن لديه تصرف المالك في ملكه فيحرم بالتالي المالك و يجرده من حقوقه الشرعية على الشيء. فالميكانيكي، مثلا الذي يتسلم سيارة قصد إصلاحها و إرجاعها إلى مالكها ثم يستعملها لمصلحته الخاصة و يرفض إعادتها إلى صاحبها يعد مرتكبا للإختلاس.
   و تجدر الملاحظة إلى تعدد و اختلاف الألفاظ التي عبرت بها القوانين المقارنة عن الركن المادي في جريمة خيانة الأمانة. فالقانون الفرنسي أصبح يستعمل بالفصل 314 أولا من المجلة الجنائية الجديدة لفظة واحدة وهي "الاختلاس" "" بعد أن كان الفصل 408 من المجلة القديمة يستعمل عبارتي "الاختلاس" و "الاتلاف" الموجودتين بالفصل 297 من م.ج. أما القانون اللبناني فقد استعمل خمس عبارات وهي "الكتم أو الاختلاس أو التبديد أو الاتلاف أو التصرف". في حين استعمل القانون المصري ثلاث عبارات وهي "الاختلاس، التبديد، و الاستعمال"[58].
    بما أن الاختلاس يتمثل أساسا في تغيير حيازة الجاني للشيء من حيازة ناقصة و مؤقتة إلى حيازة كاملة، دائمة و مستمرة فإن ذلك يطرح صعوبة عملية في إثباته باعتباره أمرا باطنيا نفسانيا يقوم على مجرد النية وهو ما يجرنا إلى تحديد الأفعال المادية التي تدل على حصوله.
   في هذا الإطار يعتبر رفض إعادة الشيء إلى مالكه أكثر الأفعال تجسيدا لحصول الاختلاس. ذلك أن رفض الجاني إرجاع الشيء المؤمن لديه إلى مالكه دون سبب شرعي يتوفر معه دون شك فعل الاختلاس و تقوم به تبعا لذلك جريمة خيانة الأمانة. و هذا الرفض يمكن أن يتخذ في الواقع عدة صور كإنكار الجاني تسلمه للشيء أو إنكاره لوجود العقد الذي تسلم بموجبه الشيء، أو ادعاءه ضياع الشيء أو سرقته منه أو هلاكه.[59]
و تجدر الإشارة إلى أن فقه القضاء الفرنسي اعتبر أنه من الممكن إثبات رفض الجاني إرجاع الشيء بواسطة التنبيه عليه[60].
   و لئن كان رفض إعادة الشيء إلى مالكه فعلا ماديا دالا على وقوع الاختلاس و بالتالي على جريمة خيانة الأمانة، إلا أنه يكتسي في بعض الأحيان صبغة قانونية و شرعية تتجسد من خلال ممارسة حق الحبس. فالفصل 309 من م.ا.ع يعرفه بكونه "الحق في حوز الشيء الذي يملكه المدين حتى يؤدي ما عليه للدائن و لا يجري العمل به إلا في  الأحوال التي خصصها القانون"[61].
   في هذا الإطار، يتضح أنه من بين هذه الأحوال نجد أربعة عقود أتاح فيها المشرع للأمين حبس الأشياء الموجودة لديه قصد استيفاء دينه منها وهي الوكالة، الإعارة، الوديعة و القيام بعمل. فبالنسبة لعقد الإجارة على العمل فقد نص الفصل 886 من م.ا.ع على أنه "للأجير أن يحبس المصنوع و غيره مما هو للمستأجر تحت يده لاستيفاء أجرته و مصاريفه".
  و بالنسبة لعقد الوديعة فإنه "ليس للمستودع حبس الوديعة إلا فيما صرفه من المصاريف اللازمة لحفظها و ليس له الحبس لوجه آخر"[62].
أما فيما يتعلق بالعارية فقد خول الفصل 1071 من نفس المجلة المستعير حبس العارية قصد استيفاء "المصاريف الطارئة التي تأكد صرفها على العارية قبل أن يمكنه الإعلام بها".
كما تضمن الفصل 1147 من م.ا.ع أن "للوكيل حبس ما وجهه الموكل أو سلمه إليه من سلع و غيرها من المنقولات لاستيفاء ما يستحقه".
   بالإطلاع على كل هذه الفصول يتضح أنه في هذه الأحوال لا يعتبر الأمين مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة رغم رفضه إرجاع الشيء المؤمن لديه، إلا أنه يجدر لفت الإنتباه إلى أن ذلك يخضع لشروط حددها المشرع بالفصل 314 من م.ا.ع وهي أن يكون الدين ثابتا، حالا و منحصرا.
   قد يطرح في هذا الإطار إشكال يتعلق بمعرفة ما إذا كانت إساءة استعمال الشيء من بين الأفعال المادية الدالة على وقوع الاختلاس.
    قد يبدو لأول وهلة أن الإجابة عن هذا السؤال لا يمكن أن تكون إلا بالنفي، ذلك أن إساءة استعمال الشيء المسلم بموجب عقد من عقود الأمانة لا يعدو أن يكون سوى صورة من صور الإخلال بالإلتزامات التعاقدية خاضعة للتعويض على مقتضى قواعد المسؤولية المدنية[63]. إلا أن هذا المبدأ عرف عند بعض الفقهاء استثناء يتمثل في استعمال الأمين للشيء المسلم إليه و تصرفه فيه و لو بصورة وقتية تصرف المالك في ملكه قاصدا بذلك الإضرار بصاحبه[64]. فقد اعتبر فقه القضاء الفرنسي أن مدير الشركة الذي "يعمد إلى استغلال أموالها في عمليات تنطوي على المغامرة و تخرج عن نشاط الشركة، لتحقيق مصلحة شخصية، فإنه يكون خائنا للأمانة"[65].
   و نذكر كذلك من بين الأمثلة على إساءة استعمال الشيء صورة المؤلف الذي يسلم أصول كتابه إلى ناشر ليقوم بطبع عدد معين من النسخ فيعمد هذا الأخير، دون علم الأمين، إلى طبع عدد أكثر من ذلك المتفق عليه[66].
   فيستخلص بالتالي أن إساءة استعمال الشيء لا تقوم معه جريمة خيانة الأمانة إلا مع توفر قصد الإضرار و خروج الشيء و لو بصورة وقتية من حيازة الأمين مما يجعل "تنفيذ الإلتزام بالرد مستحيلا أو بعيد الإحتمال"[67].
   و قد ذهب فقه القضاء الفرنسي إلى أبعد من ذلك معتبرا أن التأخير في إعادة الشيء تقوم معه جريمة خيانة الأمانة إذا توفر لدى الجاني قصد إجرامي يتمثل في نية الإضرار بمالك الشيء من خلال حرمانه من ممارسة حقوقه الشرعية عليه[68].  وهو ما يبرز الترابط الوثيق بين الركنين المادي و المعنوي لجريمة خيانة الأمانة إلا أن الركن المادي لهذه الجريمة لا يقوم فحسب عند توفر فعل الاختلاس فقد نص الفصل 297 م.ج على أن جريمة خيانة الأمانة تتحقق بتوفر أحد الفعلين الإختلاس أو الإتلاف.
    و يقصد بالإتلاف الفعل الذي يخرج به الأمين الشيء الذي اؤتمن عليه من حيازته و ذلك باستهلاكه أو بالتصرف فيه للغير مما يستحيل معه إرجاعه إلى من سلمه إياه[69]. وهو يعتبر أشد مظهر من مظاهر الإعتداء على الملكية إذ يتضمن فعل الإختلاس الذي يتجسد من خلال تغيير الأمين لحيازته من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة و يزيد عليه بأن يقوم هذا الأخير بإخراج الشيء من حيازته نهائيا[70]. و يكون على هذا الأساس قد تصرف فيه تصرف المالك في ملكه.
    و قد اعتبر فقه القضاء المصري أنه إذا قام المجني عليه بتحرير سند باسم الجاني و أودعه لديه لتسليمه إلى المدين عند تحقق الشرط المتفق عليه، فخالف الجاني الإتفاق و حول هذا السند إلى المدين إضرارا بصاحب الحق فيه عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة[71].
   كما تجدر الملاحظة إلى أنه لا يشترط لحصول الإتلاف أن يكون الجاني قد استفاد من خلال فعله و حقق منفعة مادية[72]. و لا يشترط كذلك لتوفر الجريمة قيام المجني عليه بمطالبة الجاني برد الأمانة المدعى بإتلافها[73].
    و الإتلاف يمكن أن يكون ماديا أو قانونيا. فالإتلاف المادي يتحقق عند قيام الجاني باستهلاك الشيء المؤمن لديه و إعدامه كليا أو جزئيا، كمن يتسلم أموالا على وجه الوديعة فينفقها لفائدته الشخصية. أما الإتلاف القانوني فيتحقق عندما يقوم الجاني بالتصرف في الشيء المؤمن لديه تصرفا قانونيا بالبيع أو الهبة أو الرهن و غير ذلك[74].
   و تبعا لذلك يتميز الإتلاف بسهولة إثباته بما أنه يتخذ شكلا خارجيا واضحا يتجسد من خلال استهلاك الشيء أو التصرف فيه للغير على عكس الاختلاس الذي يكتسي طابعا باطنيا نفسانيا يجعل من الصعب تجسيد الأفعال المادية الدالة على حصوله.
في هذا الإطار قد يطرح إشكال يتعلق بمعرفة ما إذا كان مجرد ضياع الشيء المؤمن لدى الجاني أو فساده تتوفر معه جريمة خيانة الأمانة.
    إن الإجابة عن هذا الإشكال تفضي إلى الإقرار بأن فساد الشيء أو ضياعه تنجر عنه مسؤولية مدنية فحسب و لا يرقى إلى مستوى جريمة خيانة الأمانة، إلا إذا قصد الجاني بذلك الإضرار عمدا بممتلكات الغير[75].
    و قد اعتبر بعض الفقهاء أن طبيعة الشيء الواقع عليه الإتلاف لها تأثير كبير على وقوع الجريمة من عدمه. فإذا كان الشيء المتلف من القيميات و قام الجاني بإتلافه فإنه يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة و ذلك نظرا لاستحالة إرجاع هذا الشيء إلى المجني عليه، كمن يتسلم مثلا لوحة زيتية على وجه الوديعة فيبيعها. و قد اعتبر فقه القضاء التونسي أنه حتى في صورة تمكن الجاني من إرجاع الشيء بطريقة أو بأخرى فإن ذلك لا يعفيه من العقاب لحصول الجريمة.[76]
   أما إذا كان الشيء المسلم إلى الجاني من المثليات فإن توفر جريمة خيانة الأمانة من عدمه يرتبط بمدى الحرية التي منحها المجني عليه للجاني للتصرف فيه و بمدى قدرة هذا الأخير على إعطاء صاحب الحق شيئا مماثلا للذي أتلفه. فقد اعتبر الفقهاء أنه إذا عمد الجاني إلى إتلاف شيء من المثليات (كالنقود مثلا) سلم إليه على وجه الوديعة و لم تكن له حرية التصرف فيه و كان كذلك غير قادر على تعويض المجني عليه بإعطائه شيئا مماثلا له فإنه يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة.
    في حين أنه و في الصورة التي يكون فيها للجاني حرية التصرف في الشيء المثلي المؤمن لديه فإن الفقهاء ينقسمون إلى شقين. فالبعض يعتبر أن جريمة خيانة الأمانة تقوم إذا كان الجاني، رغم السلطة التي منحت له بالتصرف في الشيء المؤمن، غير قادر على إرجاع قيمة الشيء الواقع عليه الاتلاف.[77]
     أما البعض الآخر فيرى أنه في الصورة التي يكون فيها للجاني حرية التصرف في الأشياء المؤمنة لديه بمقتضى عقد من عقود الأمانة التي نص عليها الفصل 297 من م.ج فإن هذه العقود تنقلب إلى عارية استهلاك و هذا النوع من العقود لا يمكن أن تقوم معه جريمة خيانة الأمانة لأنه مقصى بطبيعته من قائمة العقود الحصرية التي جاء بها الفصل 297 من م.ج.[78] وهو ما كرسه فقه القضاء التونسي.[79] 
   و لئن كانت أفعال الإختلاس أو الإتلاف ضرورية لتوفر الركن المادي لجريمة خيانة الأمانة، فإن ذلك غير كاف لقيامها إذ لابد كذلك من توفر الركن المعنوي.
فقرة ثانية: الركن المعنوي: القصد الجنائي
ينص الفصل 37 من م.ج على أنه " لا يعاقب أحد إلا لفعل ارتكب قصدا عدا الصور المقررة بوجه خاص بالقانون" و بناء على ذلك فإنه لا مجال للمؤاخذة الجزائية إذا لم يكن المتهم قاصدا ارتكاب الفعل المجرم.
بالرجوع إلى الفصل 297 من م.ج يتضح أن جريمة خيانة الأمانة جريمة قصدية،  إذ ينص على عقاب الجاني الذي يقدم على اختلاس أو إتلاف الأشياء التي اؤتمن عليها "قاصدا بذلك الإضرار بأربابها أو المتصرفين  فيها أو من هي بأيديهم".
تبعا لذلك فإن جريمة خيانة الأمانة تقتضي لقيامها توفر كل من القصد الجنائي العام و القصد الجنائي الخاص.
أ= القصد الجنائي العام
    القصد الجنائي العام يمكن تعريفه على أنه " إرادة الجاني ارتكاب فعل يعلم أو هو محمول على العلم بأن القانون الجزائي يجرمه"[80].
    و يتضح من هذا التعريف أن القصد الجنائي العام يستوجب توفر عنصرين هما الإرادة و العلم. فالإرادة هي" نشاط نفسي ينصب على الرغبة في تحقيق نتيجة إجرامية"[81]، أما العلم فيتمثل في كون الجاني على يقين بأنه يرتكب عملا إجراميا يمنعه القانون. ففي جريمة خيانة الأمانة ينبغي أن يكون الجاني على علم بالعناصر المكونة للجريمة أي أنه يجب أن يكون عالما بأن الشيء الذي استولى عليه ملك للغير، فالوارث الذي يقدم على التصرف في شيء مودع عند مورثه معتقدا أن ذلك الشيء تابع لأموال التركة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة لعدم علمه بأن الشيء المتلف مملوك لغيره[82].
  كما ينبغي أن يكون الجاني على علم بأن حيازته للشيء هي حيازة ناقصة و أنه ينبغي إرجاع الشيء المؤمن إلى مالكه عند انتهاء العقد، فمن يودع مثلا تلفازا عند شخص فيعتقد هذا الأخير أنه تسلمه على وجه الهبة لا الوديعة لا يمكنه مؤاخذته من أجل جريمة خيانة الأمانة.
   و ينبغي كذلك أن يكون الجاني عالما بأنه يرتكب الاختلاس أو الإتلاف على الشيء المؤمن لديه، أما إذا هلك منه ذلك الشيء نتيجة قوة قاهرة أو تقصير منه أو سوء استعمال عن غير قصد فإنه لا يعد مرتكبا لخيانة الأمانة[83].
  و قد استقر فقه القضاء التونسي على اعتبار أن القصد الجنائي العام هو " علم الجاني عند إتيانه الفعل أنه يأتي عملا محظورا قانونا و ذلك بغض النظر عن الدافع أو الداعي حتى لو كان نبيلا[84]".
و بما أن مسألة علم الجاني بالعناصر المكونة للجريمة أمر نفساني باطني غير ظاهر فإن تقديره يخضع للإجتهاد المطلق لمحكمة الموضوع[85].
   أما فيما يتعلق بالإرادة فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب أفعال الإختلاس أو الإتلاف، و قد اعتبر فقه القضاء التونسي في هذا المجال أن الجاني ينبغي أن يأتي مثل تلك الأفعال عن "إرادة حرة و إدراك تام و تمييز"[86].
ب القصد الجنائي الخاص:
    القصد الجنائي الخاص هو قصد محدد بنتيجة معينة بذاتها و لا يشترط في كل الجرائم[87]. و يتمثل القصد الجنائي الخاص في جريمة خيانة الأمانة في القانون التونسي في نية الإضرار بصاحب الشيء أو المتصرف فيه وهو ما نستدل عليه من صريح أحكام الفصل 297 من م.ج           و يختلف القانون التونسي في هذه النقطة مع كل من القانون الفرنسي و القانون المصري اللذان يشترطان الضرر كركن مادي لقيام جريمة خيانة الأمانة، ذلك أن القانون التونسي لا يشترط وجود الضرر كركن مادي و إنما يجعل من القصد الجنائي الخاص متمثلا في نية الإضرار. إذ يستعمل المشرع بالفصل 297 من م.ج عبارة " قاصدا الإضرار بأربابها أو المتصرفين فيها أو من هي بأيديهم". أما الفصل 341 من قانون العقوبات المصري فيعتمد عبارة " إضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها...الخ". فقد جعل المشرع المصري و كذلك الفرنسي القصد الجنائي الخاص في جريمة خيانة الأمانة متمثلا في نية التملك وهو ما لا يختلف عن القصد الجنائي الخاص في جريمة السرقة التي تنصرف فيها إرادة الجاني نحو تملك شيء مملوك للغير.
   و قد استقر فقه القضاء التونسي على اعتبار القصد الجنائي الخاص متمثلا في نية الإضرار في عديد المناسبات، من ذلك ما أقرته محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 10 تموز 1985 من أن " القصد الجنائي في جريمة الخيانة الموصوفة يتحقق بانصراف إرادة الجاني إلى الاستيلاء على المال المؤتمن عليه و التصرف فيه خيانة منه و بقصد الإضرار بصاحب الشيء المستولى عليه حسب صريح الفصل 297 جنائي و هذا أمر موكول إلى محكمة الموضوع طالما كان حكمها معللا"[88].
  كما أقرت في قرار آخر مؤرخ في 26 سبتمبر 1994 أنه :" يفهم من الفصل 297 من المجلة الجنائية أن اختلاس الشيء أو إتلافه يجب أن يكون بنية الإضرار بأصحابه و طالما لم تتجسم تلك النية فإن أركان جريمة الخيانة تبقى غير متوفرة"[89].
  و ربما يجد هذا التوجه للقانون الليبي تفسيرا منطقيا يتمثل في إمكانية الاكتفاء بعنصري الاختلاس و الإتلاف باعتبار أن تحقق إحداهما ينجر عنه بصفة آلية إلحاق ضرر بصاحب الشيء.
   بالإضافة إلى ذلك فإن المشرع التونسي خلافا للفرنسي و كذلك المصري قد جعل من القصد الجنائي الخاص متمثلا في نية الإضرار و ليس في نية التملك، لأن ارتكاب أفعال الاختلاس أو الإتلاف لا تكون دائما لغاية التملك و نذكر على سبيل المثال مستأجري السيارة الذي عند انتهاء مدة التأجير يتركها بالطريق العام عوض إرجاعها إلى الشركة. ففي هذه الحالة لا تتوفر نية التملك لدى الجاني و إنما تتوفر لديه نية الإضرار فحسب.
   في هذا الإطار يبدو من المفيد التطرق إلى مسألة إرجاع الشيء المؤمن لصاحبه بعد ارتكاب الجريمة و معرفة ما إذا كان ذلك يعفي الجاني من المؤاخذة من أجل جريمة خيانة الأمانة.
  اعتبر فقه القضاء الليبي في هذا المجال أن " إرجاع الأشياء المستولى عليها بعد مدة لصاحبها دون تبديد لا تنتفي معه جريمة خيانة الأمانة لثبوت نية الإضرار"[90].
  كما أن حصول الضرر من عدمه لا يؤثر على قيام جريمة خيانة الأمانة أي أنه لا عبرة بالنتيجة التي أراد الجاني تحقيقها طالما كانت نية الإضرار متوفرة، إذ ينص الفصل 36 من م.ج على ما يلي :" كل من قصد عند ارتكابه لجريمة شخصا معينا و يضر خلافا لإرادته بآخر غير الذي قصده يستوجب العقوبات المقررة للجريمة التي كان قصد ارتكابها".
   يتضح بالتالي أن الفرق بين القانون التونسي و كل من القانون المصري و الفرنسي يتمثل أساسا في اعتبار هذين الأخيرين أن القصد الجنائي الخاص يتمثل في نية التملك و أن الضرر عنصر أساسي للركن المادي خلافا للقانون التونسي الذي يعتبر أن القصد الجنائي الخاص يتمثل فحسب في نية الإضرار و يقصي الضرر كعنصر مكون للركن المادي للجريمة.
لكن و لئن اعتبر المشرع المصري و الفرنسي وجود الضرر ركنا أساسيا لجريمة خيانة الأمانة فإنه ليس من الضروري أن يكون هذا الضرر حالا بل يمكن أن يكون محتملا.
    إذ يرى "جارسون" أن الضرر إذا كان محتمل الوقوع فإن ذلك لا يعفي الجاني من المؤاخذة الجزائية من أجل جريمة خيانة الأمانة، وهو ما عبر عنه بنظرية "القصد الاحتمالي" التي تجعل من الجاني "مسئولا عن الأضرار التي تتفق مع السير العادي للأمور و التي كان عليه أن يتوقعها، غير مسئول عن الأضرار التي تنجم عن عوامل شاذة غير مألوفة"[91].
   وهو ما استقر عليه فقه القضاء المصري في عدة قرارات معتبرا أنه " لا يشترط في جريمة خيانة الأمانة أن يلحق المجني عليه ضرر بالفعل بل يكفي أن يكون الضرر محتمل الوقوع، فإذا وقع الاختلاس ثم حصل المجني عليه على ماله عن طريق المتهم أو غيره فإن العقاب يكون واجبا"[92].
ختاما، و إذا توفرت الشروط الممهدة و الشروط المؤسسة لجريمة خيانة الأمانة، فإن الجاني يصبح عرضة للتتبع من أجل الأفعال المجرمة التي اقترفها.












المبحث الثاني: آثار جريمة خيانة الأمانة

   يتضح بالرجوع إلى الفصل 297 من م.ج أن الجاني الذي يستولي على شيء سلم إليه على سبيل الأمانة يؤاخذ جزائيا من أجل ما اقترفه، إلا أن هذا الفصل ميز بين التتبع في صورة الخيانة المجردة (المبحث الأول) و التتبع في صورة الخيانة الموصوفة (المبحث الثاني).
المطلب الأول: التتبع في صورة الخيانة المجردة
حدد الفصل 297 من م.ج العقاب المقرر للجاني في صورة الخيانة المجردة (فقرة أولى) و ذلك سواء كانت الجريمة تامة أو مجرد محاولة (فقرة ثانية).
فقرة أولى: عقوبة الخيانة المجردة
  ينص الفصل 297 من م.ج أن الجاني في صورة الخيانة المجردة يعاقب بالسجن لمدة ثلاثة أعوام و بخطية قدرها مائتان و أربعون دينارا. كما يمكن أن تسلط عليه العقوبات التكميلية الواردة بالفصل 5 من نفس المجلة، أو أن تطبق على الجاني ظروف التخفيف فتحط من مقدار العقاب أو تحكم بالخطية فحسب و كل ذلك موكول لمحض اجتهاد قضاة الموضوع. إذ ينص الفصل 53 فقرة 1 من م.ج أنه " إذا اقتضت ظروف الفعل الواقع لأجله التتبع ظهور ما يحمل على تخفيف العقاب و كان القانون غير مانع من ذلك فللمحكمة مع بيان تلك الظروف بحكمها أن تحط العقاب إلى مادون أدناه القانوني بالنزول به درجة أو درجتين في سلم العقوبات الأصلية الواردة بالفصل 5 من هذه المجلة و ذلك مع مراعاة الاستثناءات الآتي ضبطها" . و تجدر الإشارة إلى أن المحكمة في صورة إعمالها لظروف التخفيف فهي ملزمة بتعليل قضائها[93].
   إن عقوبة الجاني في جريمة الخيانة المجردة هي أقل من مقدار العقوبة المقررة في السرقة المجردة[94] و التي حددها المشرع بخمسة أعوام و بخطية قدرها مائة و عشرون دينارا[95].
و يمكن التساؤل في هذا الإطار عن علة تخصيص جريمة الخيانة المجردة بعقوبة أقل من تلك المقررة في جريمة السرقة رغم أنهما تمثلان اعتداء على حق الملكية.
   قد يجد توجه المشرع الليبي تفسيرا في كون المتضرر في جريمة الخيانة المجردة ساهم بطريقة غير مباشرة في حصول الجريمة بأن وضع ثقته بالجاني و سلمه أشياءه دون التثبت ما إذا كان ذلك الشخص أمينا، فيكون هذا الأخير (الجاني) قد اعتدى بالتالي على الحيازة فحسب بأن حولها من حيازة ناقصة و مؤقتة إلى حيازة دائمة و مستمرة.
   أما في جريمة السرقة فليس للمجني عليه أي دور في حصول الجريمة لأن الشيء المسروق قد أخذ خلسة أو بالقوة رغما عن إرادة صاحبه أو بغير علم. فيكون الجاني في هذه الحالة قد اعتدى في الآن ذاته على الملكية و الحيازة معا.
   كما أنه تجدر الملاحظة في إطار هذه المقارنة أنه في إطار جريمة خيانة الأمانة فإن النص ينطبق بصفة مطلقة و دون استثناءات على أي شخص يرتكب هذه الجريمة على خلاف ما ذهب إليه المشرع في جريمة السرقة عند التنصيص على أنه " لا تعد من السرقة الاختلاسات الواقعة من الأصول و إن علوا لأمتعة أبنائهم إلا إذا كان المسروق ملكا للغير أو معقولا"[96].
و يجد هذا الإعفاء أساسه في الحفاظ على الروابط الأسرية، خاصة و أنه يتطابق مع ما ذهب إليه الفقه الإسلامي و ذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:" أنت و مالك لأبيك".
   في حين أنه و خلافا لما ذهب إليه المشرع التونسي من إعفاء للأصول في جريمة السرقة فإن صفة الوالد باعتباره وليا في جريمة خيانة الأمانة يمكن أن تكون ظرف تشديد كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من الفصل 297 من المجلة الجزائة، وهو ما سنتطرق إليه لاحقا. وربما كان من الأجدر توسيع نطاق تطبيق هذا الإعفاء ليشمل كذلك جريمة خيانة الأمانة بما أنّ أساس الإعفاء واحد. وهو الموقف الذي تبناه المشرع وفقه القضاء الفرنسيين[97]  وكذلك فقه القضاء المصري[98]. فقد نصّ الفصل 314 – 4 من المجلة الجنائية الفرنسية الجديدة صراحة على أنّ أحكام الفصل 311 – 12 والتي تعفي الجاني من العقاب في صورة سرقة أموال الأصول أو الفروع تنطبق كذلك على خيانة الأمانة.
في إطار دراستنا لعنصر العقوبة يبدو من المفيد التطرق إلى مسألة آجال سقوط الدعوى العمومية.
   بادئ ذي بدء، فإنّ المبدأ يقتضي أنّ آجال سقوط الدعوى العمومية بمرور الزمن تبتدئ من تاريخ وقوع الجريمة، أي بالنسبة لجريمة خيانة الأمانة من تاريخ الاستيلاء على المال المؤمن من طرف الجاني. إلاّ أنّ تحديد هذا التاريخ يصبح في بعض الأحيان صعبا خاصة إذا كان الفعل المادي المرتكب متمثلا في الاختلاس، ذلك أنّ هذا الأخير -كما رأينا سابقا- أمرٌ نفسانيٌ يكون أحيانا غير ظاهر للعيان. في هذه الحالة يصبح المجني عليه عاجزا عن معرفة حصول الاختلاس ولا يتمكن من ذلك إلاّ عند انتهاء العقد وقد يكون في ذلك الوقت قد حرم قانونيا من تتبع الجاني لسقوط الدعوى بمرور الزمن.
   تلافيا لذلك اعتبر فقه القضاء الفرنسي أنّ احتساب آجال سقوط الدعوى بمرور الزمن يبدأ من التاريخ الذي يكتشف فيه الجاني من خلال معطيات واضحة تبرز بالضرورة حصول هذا الاختلاس[99].
فقرة ثانية : المحاولة
لم يقتصر المشرع الليبي على عقاب مرتكب خيانة الأمانة فحسب وإنما نصّ كذلك على مؤاخذة كلّ من يحاول ارتكاب هذه الجريمة، إذ جاء بالفصل 297 من م ج. أنه "يعاقب بالسجن مدة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها مائتان وأربعون دينارا كلّ من يختلس أو يتلف أو يحاول أن يختلس أو يتلف..."
   ويتمثل المبدأ في القانون الجزائي التونسي أنه لا عقاب على المحاولة في مادة الجنح إلاّ إذا نصّ القانون على خلاف ذلك، أمّا في مادة الجنايات فالمحاولة موجبة للعقاب إذ نصّ المشرع على أنّ "كلّ محاولة لارتكاب جريمة يعاقب مرتكبها بالعقاب المقرر للجريمة نفسها إذا كان تعطيلها أو عدم حصول القصد منها ناتجا عن أمور خارجة عن إرادة فاعل الجريمة لكن لا يترتب على المحاولة عقاب في كل الصور التي لا توجب الجريمة فيها السجن أكثر من خمسة أعوام إلاّ إذا نصّ القانون على خلاف ذلك"[100].
فالمشرع التونسي إذا نص صراحة على تسليط العقاب على الجاني في صورة خيانة الأمانة حتى في صورة المحاولة. و في غياب تعريف قانوني للمحاولة اعتبر فقه القضاء أنها "بداية الشروع في الجريمة بعد اجتياز مرحلتي النية و الأعمال التحضيرية وهو أمر يختلف باختلاف الظروف و الملابسات لكل جريمة[101]. و بالتالي فإن فقه القضاء التونسي يعتبر أن الأعمال التحضيرية غير كافية وحدها لتوفر جريمة المحاولة وهو ما نستشفه من إحدى قرارات محكمة التعقيب الذي جاء فيه أن " محاولة الجريمة لا تتوفر إلا بالشروع في تنفيذها و تفريعا على ذلك فإن مجرد الأعمال التحضيرية لا تؤدي مباشرة و حتما لاقتراف الجناية أو الجنحة [102] ".
   و قد اختلف الفقهاء في تعريف الشروع في التنفيذ فظهرت نظريتان. فمن ناحية يعتبر فقهاء النظرية الموضوعية أو المادية أن الشروع في التفيذ هو الفعل الذي يبدأ به الجاني تحقيق الركن المادي للجريمة. و من ناحية أخرى يعتبر فقهاء النظرية الشخصية أن الشروع في التنفيذ هو قيام الجاني " بالعمل الذي يعتبره الخطوة السابقة مباشرة للنتيجة الإجرامية" أو " العمل الذي يؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجريمة"[103].
  و قد ميز فقه القضاء التونسي بين العمل التنفيذي و العمل التحضيري باعتبار أن " الأول يؤدي حالا و مباشرة إلى ارتكاب الجرم بخلاف الثاني فإنه مبهم و لا يمكن معرفة الغرض منه"[104].
   و في جريمة خيانة الأمانة و لئن كان من المنطقي أنه لا يمكن الحديث عن محاولة في صورة الاختلاس باعتبار أنه يتمثل في تغيير نية الحيازة من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة، فإنه و على خلاف ذلك فإن المحاولة يمكن ضبطها في صورة الإتلاف الذي يكتسي فعلا ماديا واضحا و ظاهرا للعيان يمكن الشروع في تنفيذه. فالجاني الذي يعرض الشيء المؤمن لديه ليبيعه بأحد الأسواق يعتبر مرتكبا لجريمة المحاولة في خيانة الأمانة حتى لو لم يتمكن من إتمام عملية البيع لأمر خارج عن إرادته.
   في هذا الإطار يجدر التمييز و عدم الخلط بين العدول التلقائي عن الجريمة من ناحية و الذي يتوفر مثلا عند تراجع الجاني عن فعلته لخوف انتابه أو لتأنيب ضميره وهو ما يؤدي إلى زوال الخطر و انتفاء الجريمة، و التوبة من ناحية أخرى و التي هي عبارة عن ندم الجاني بعد اقترافه للجريمة. كما يجب التمييز كذلك بين العدول التلقائي عن الجريمة و الذي تنتفي معه هذه الأخيرة و الجريمة الخائبة. ففي هذه الأخيرة يقوم الجاني بكل أركان الجريمة غير أن النتيجة الإجرامية لا تتحقق و ذلك لأمر خارج عن إرادته[105]. فالجاني مثلا الذي تعهد إليه مهمة إصلاح سيارة فيضرم فيها النار و لكن تتدخل المارة فورا و تقوم بإطفائها لا يعفى من المؤاخذة الجزائية.
    أما القوانين المقارنة فأغلبها لا تعاقب على المحاولة في جريمة خيانة الأمانة ومن بينها القانون الفرنسي، المصري، الأردني و اللبناني والليبي، إذ يعتبر هؤلاء أن المحاولة لا يمكن أن تتوفر في جريمة خيانة الأمانة فإما أن تتوفر هذه الجريمة تامة و إما أن لا تتوفر أصلا[106]. و ما يعلل هذا الموقف هو أنه في جريمة خيانة الأمانة يكون الشيء المستولى عليه في حيازة الجاني وهو غير مضطر للقيام بأعمال تحضيرية قصد الحصول عليه، خلافا لما يكون عليه الأمر في جريمة السرقة التي يعمد فيها الجاني إلى استعمال القوة مثلا لافتكاك الشيء الذي يوجد بحوزة المجني عليه فتكون المحاولة قد وجدت حتى لو لم تتم الجريمة[107].
المطلب الثاني: التتبع في صورة الخيانة الموصوفة
   تضمن الفصل 297 من م.ج أن العقاب يشتد إذا اقترنت جريمة خيانة الأمانة بظرف من ظروف التشديد المنصوص عليها بالفقرة الثانية من نفس الفصل و المتعلقة بصفة الجاني. وهو ما يجرنا للتعرض إلى مقدار هذه العقوبة في صورة الخيانة الموصوفة (فقرة أولى) ثم إلى الصفات المشددة للعقاب (فقرة ثانية).
فقرة أولى:عقوبة الخيانة الموصوفة
ترتفع العقوبة من ثلاث سنوات إلى عشرة أعوام إذا توفرت في الجاني إحدى ظروف التشديد المنصوص عليها بالفصل 297 من م.ج.
و خلافا لصورة الخيانة المجردة، لم ينص المشرع على العقاب بالخطية و إنما اكتفى بالترفيع في العقوبة السالبة للحرية.
  نستنتج بالتالي أن المشرع الليبي قد اعتبر جريمة خيانة الأمانة جنحة  في صورة الخيانة المجردة و جناية في صورة الخيانة الموصوفة، أي عند توفر ظرف من ظروف التشديد بناء على صفة الجاني أي عندما يكون هذا الأخير و كيلا أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به.
   أما في القانون المصري فخيانة الأمانة تعتبر دائما جنحة و ينص الفصل 341 من قانون العقوبات على أن عقوبتها الحبس دون أن يحدد المدة في ذلك. كما ينص على أنه يجوز أن تزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصري. و لم ينص التشريع المصري على ظرف من ظروف التشديد.
   أما في القانون الفرنسي فالمبدأ يتمثل في أن عقوبة خيانة الأمانة هي ثلاث سنوات و خطية قدرها 375000 أورو[108]. لكن العقاب يرتفع بحسب صفة الجاني إذا توفرت أحد ظروف التشديد التي نص عليها الفصل 314 -2 و 3 من م.ج ففي بعض الحالات يرتفع العقاب إلى السجن مدة سبع سنوات و خطية قدرها 750.000 أورو[109]، أما في بعض الصور الأخرى ترتفع العقوبة إلى السجن مدة عشر سنوات و خطية قدرها 1500000 أورو[110]. وهو على عكس ما ذهب إليه المشرع التونسي الذي حبذ وضع عقوبة موحدة في صورة الخيانة الموصوفة دون تمييز بين صفاة الجناة.
فقرة ثانية: الصفات المشددة للعقاب
   عدد الفصل 297 من م.ج في فقرته الثانية الصفات التي إذا توفرت في الجاني ارتفعت العقوبة المقررة ضده. و تتمثل هذه الأخيرة في كون الجاني وكيلا أو مستخدما أو خادما أو أجير يومه لصاحب الشيء المختلس أو وصيا أو ناظرا أو مقدما أو مؤتمنا أو متصرفا قضائيا أو مديرا لوقف أو مستخدما به.
                                                          
و قد وردت هذه القائمة بصفة حصرية فلا يجوز تبعا لذلك الزيادة عليها أو التوسع في تأويلها.
و يتمثل الشرط الأساسي لتطبيق ظروف التشديد في توفر إحدى الصفات السالفة الذكر في الجاني وقت تسلمه للشيء المؤمن لديه و ليس من الضروري أن تستمر هذه الصفة لديه حتى لحظة ارتكاب الجريمة و إنما يكفي أن يكون قد تسلم المال بناء على صفته تلك[111].
أ صفة الوكيل:
سبق و أن تعرضنا إلى تعريف الوكيل في الجزء الأول من هذه الدراسة على أنه الشخص الذي ينوب شخصا آخر و يقوم مقامه في مباشرة مصالحه و إجراء عمل جائز في حقه[112].
  و قد تطرح صفة الوكيل كظرف تشديد إشكالا عمليا يتأتى من تنصيص الفقرة الأولى من الفصل 297 من م.ج على عقاب الجاني الذي يختلس أو يتلف الأشياء المؤمنة لديه بمقتضى عقد وكالة بالسجن لمدة ثلاث سنوات. في حين تنص الفقرة الثانية من نفس الفصل على أن الوكيل الذي يقترف جريمة خيانة الأمانة يعاقب بالسجن لمدة عشر سنوات. فيبدو لأول وهلة وجود تناقض بين الفقرتين الأولى و الثانية من نفس الفصل. فمن ناحية تعتبر صفة الوكيل كشرط أولي لقيام الجريمة بما أن عقد الوكالة هو من ضمن العقود المذكورة على سبيل الحصر و التي يجب توفرها لقيام الجريمة، و من ناحية أخرى تعتبر صفة الوكيل كظرف تشديد لجريمة خيانة الأمانة.
    بعبارة أخرى، يبدو كأن العقاب المقرر ضد الوكيل الذي يستولي على الأموال التي سلمت له يمقتضى عقد الوكالة هو من جهة ثلاث سنوات طبقا للفقرة الأولى من الفصل 297 من م.ج التي تضمنت الخيانة المجردة، و من جهة أخرى هو عشر سنوات طبقا للفقرة الثانية من نفس الفصل التي جعلت صفة الوكيل ظرفا من ظروف التشديد في جريمة الخيانة الموصوفة. فهل أن صفة الوكيل كظرف تشديد تختلف عن صفة الوكيل كشرط أولي للجريمة؟
لحسم هذا الإشكال و بالتمعن في الفصل 297 من م.ج نتبين أن صفة الوكيل كظرف تشديد لا تختلف عن صفة الوكيل كشرط أولي لقيام الجريمة. ذلك أن تكرار صفة الوكيل بالفقرة الثانية من الفصل 297 من م.ج كان أمرا لابد منه. ذلك أنه لتوفر جريمة خيانة الأمانة من الناحية القانونية فإنه لابد من توفر جملة من الشروط الأولية من بينها ضرورة توفر عقد من عقود الأمانة و من ذلك عقد الوكالة. و لو لم ينص المشرع على عقد الوكالة ضمن القائمة الحصرية للعقود التي يجب توفر إحداها لقيام الجريمة لما كان من الممكن ذكر صفة الوكيل كظرف تشديد بالفقرة الثانية لأن الشرط الأولي في هذه الصورة و الذي هو عقد الوكالة لن يكون موجودا و بالتالي فلا يمكن منطقيا الحديث عن ظرف تشديد لأن الجريمة تكون غير موجودة أصلا.
   و بالتالي فوجود صفة الوكيل هي ظرف تشديد يجعل من الخيانة موصوفة و ذلك بغض النظر عما إذا كانت هذه الوكالة ظرفية أو مستمرة، عامة أو خاصة.
كما يستوي في ذلك أن تكون هذه الوكالة اتفاقية، قانونية أو قضائية وهي مفاهيم سبق شرحها في الجزء الأول من الدراسة بمناسبة تحليل عقد الوكالة. و هذا التأويل في فهم صفة الوكيل هو المكرس في فقه القضاء التونسي الذي يعتبر أن مجرد توفر صفة الوكيل في الجاني يجعل من الجريمة المرتكبة من قبله خيانة موصوفة دون التمييز بين أنواع الوكالة و أصناف الوكلاء.
   على خلاف ذلك، و بالرجوع إلى القانون الفرنسي يتضح و أن هذا الأخير لم يجعل من كل أصناف الوكلاء ظرف تشديد و إنما اكتفى بالتنصيص على صفة الوكيل القضائي (mandataire de justice)[113].
ب صفة المستخدم أو الخادم أو أجير يومه:
  المستخدم هو الشخص الذي ينتدب للقيام بأعمال ذهنية أو مادية ضمن علاقة شغلية منعقدة بصفة قانونية بينه و بين مستخدمه و مقابل أجر نقدي أو عيني[114]. و نذكر على سبيل المثال السكرتير أو المحاسب.
   أما الخادم فهو " الشخص الذي يقوم بخدمة متطلبات منزل سيده صاحب الشيء المختلس بإجراء أعمال مادية كالطهي أو التنظيف أو إحضار أمتعته أو جلب مشترياته أو اقتنائها من السوق و نحوها من الخدمات المنزلية"[115].
في حين أن أجير اليوم هو الشخص الذي يستأجر " بصفة ظرفية فقط لإتمام بعض الخدمات خلال يومه و يستوي في ذلك أن يكون أجير كامل يومه أو بعض يومه لصاحب الشيء"[116].
و إذا ارتكبت جريمة خيانة الأمانة من قبل شخص له إحدى هذه الصفات فإنها تصبح خيانة موصوفة.
   كما تجدر الإشارة إلى أن صفة المستخدم أو صفة الخادم تعتبر أيضا من بين ظروف التشديد التي نص عليها المشرع التونسي في جريمة السرقة بالفصل 263 من م.ج.
و لئن كان المستخدم و كذلك الخادم اللذان يستوليان على مال مخدومهما يمكن أن يكونا مرتكبين إما لجريمة السرقة أو لجريمة خيانة الأمانة، فإن معيار التمييز بين الجريمتين يتمثل حسب الفقيه " جارسون" في نوع الحيازة. فإذا كانت حيازة  الجاني للأشياء المستولى عليها هي حيازة ناقصة عد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة و مثال ذلك صورة الخادمة التي يسلمها سيدها مواد تنظيف لاستعمالها في العناية بالمنزل فتستولي عليها. أما إذا كانت حيازة الجاني للأشياء المستولى عليها هي حيازة عارضة أي مجرد مسك مادي عد مرتكبا لجريمة السرقة و مثال ذلك الخادمة التي تقوم في إطار عملها بنقل الأثاث من مكان لآخر داخل المنزل فتستولي على البعض منه.

ج صفة الولي الوصي أو الناظر أو المقدم:
    يقصد بالولي ولي القاصر الذي لم يبلغ سن الرشد القانونية وهو أبوه أو أمه إذا توفي أبوه أو فقد أهليته[117]. فالولي إذا هو الأب إذا كان حيا و متمتعا بأهليته القانونية و في صورة وفاته أو فقدانه لأهليته تصبح الأم هي الولي.
و الولي سواء كان الأب أو الأم هو شخص مكلف بحكم القانون لحماية مصالح القاصر و ذلك بنيابته في التصرفات القانونية التي لا يمكن له قانونيا القيام بها.
أما الوصي فيمكن أن يكون وصيا مختارا أو بحكم من المحكمة. فالوصي المختار هو الشخص الذي يكلفه الولي في قائم حياته لإدارة مكاسب القاصر بعد وفاته و لا يعمل بوصية الأب إلا بعد وفاة الأم أو فقدانها لأهليتها[118].
  أما الوصي بحكم من المحكمة فهو الذي يسمى من القاضي عند وفاة الأبوين أو فقدان أهليتهما إذا لم يكن هناك وصي مختار[119].
  أما الناظر فهو وكيل مأجور و يقصد بذلك عموما ناظر الفلاحة وهو القيم المولى من صاحب الفلاحة للقيام بمصالحها و الإعتناء بأمورها[120].
  و بالنسبة للمقدم فهو الشخص الذي يسمى من القاضي للتصرف في أموال المحجور عليهم لصغر سنهم أو لجنون أو ضعف عقل أو سفه في التصرف[121].
     و الولي أو الوصي أو الناظر أو المقدم الذي يستولي على الأموال التي سلمت له بمقتضى إحدى هذه الصفات يعد مرتكبا لجريمة خيانة الأمانة سواء كانت هذه الأموال قد اكتسبت من طرف المولى عليه زمن تلقي المقدم لمهامه أو أثناء ذلك[122].
د صفة المؤتمن أو المتصرف القضائي
     المؤتمن العدلي هو شخص يعهد إليه القاضي مهمة حفظ و إدارة منقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت يهدده خطر عاجل فيتكفل هذا الشخص بحفظه و إدارته و عليه رده مع غلته المقبوضة إلى من يثبت له الحق[123].
   أما المتصرف القضائي فهو شخص يعهد إليه القاضي مهمة التصرف في المؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية و يتولى المتصرف القضائي " مراقبة أعمال التصرف، أو مساعدة المدين في جميع أعمال التصرف أو في البعض منها أو إدارة المؤسسة كليا أو جزئيا بمساعدة المدين أو دونها حسب ما تحدده المحكمة"[124].
   و قد نظم القانون عدد 71 لسنة 1997 المؤرخ في 11 نوفمبر 1997 المتعلق بالمصفين و المؤتمنين العدليين و أمناء الفلسة و المتصرفين القضائيين المهام الراجعة لهؤلاء، إذ نص الفصل الثاني على أنه: " يقوم المصفون و المؤتمنون العدليون و أمناء الفلسة و المتصرفون القضائيون بمهامهم بتكليف من المحكمة و يخضعون لرقابتها و لو تم تكليفهم من خارج المحكمة. و تشتمل تباعا على:
-              تصفية التركات أو المؤسسات.
-              الإئتمان على المكاسب المشتركة المتنازع في شأنها.
-              إدارة الفلسات.
-              التصرف في المؤسسات في نطاق التسوية المخصصة للمؤسسات التي تمر بصعوبات اقتصادية أو بإدارة المؤسسات لقيام نزاع في تسييرها".
   و قد نصت الفقرة الثانية من الفصل 297 من م.ج على أن المؤتمن العدلي أو المتصرف القضائي الذي يستولي على الأشياء المؤمنة لديه يعد مرتكبا لجريمة الخيانة الموصوفة[125].
غير أن هذا الاستيلاء لا يمكن أن تنتج عنه في كل الأحوال جريمة الخيانة الموصوفة طبقا للفصل 297 من م.ج، ذلك أن الفصل 24 من قانون 11 نوفمبر 1997 نص على أنه " يشبه المصفي و المؤتمن العدلي و امين الفلسة و المتصرف القضائي بالموظف العمومي على معنى الفصل 82 من المجلة الجنائية". و بالتالي يمكن أن تدخل الاختلاسات المقترفة من قبلهم ضمن الاختلاسات الواقعة من الموظفين العموميين و أشباههم. وهو ما يجرنا إلى تعريف الموظف العمومي و شبهه أولا ثم تحديد الحالات التي يتم فيها تطبيق الفصل 297 من م.ج على الاستيلاءات الواقعة من قبل كل من المؤتمن العدلي و المتصرف القضائي و الحالات التي يتم فيها تطبيق الفصل 96 من م.ج المتعلق بالاختلاسات الواقعة من الموظفين العموميين و أشباههم.
   ينص الفصل 82 من المجلة الجزائية على أنه " يعتبر موظفا عموميا تنطبق عليه أحكام هذا القانون كل شخص تعهد إليه صلاحيات السلطة العمومية أو يعمل لدى مصلحة من مصالح الدولة أو جماعة محلية أو ديوان أو مؤسسة عمومية أو منشأة عمومية أو غيرها من الذوات التي تساهم في تسيير مرفق عمومي.
   و يشبه بالموظف العمومي كل من له صفة المأمور العمومي و من انتخب لنيابة مصلحة عمومية أو من تعينه العدالة للقيام بمأمورية قضائية".
كما أن  الفصل 32 من قانون 11 نوفمبر 1997 تضمن أنه:  " مع مراعاة أحكام الفصل 96 و ما بعده من المجلة الجنائية فإن كل إخلال من المصفي أو المؤتمن العدلي أو أمين الفلسة أو المتصرف القضائي بأحكام الفصل 20 من هذا القانون يعاقب عنه بخطية يتراوح مقدارها بين ألف و عشرة آلاف دينار".
  فالفصل 32 يحيلنا صراحة إلى الفصل 96 المتعلق بالإختلاس الواقع من الموظفين العموميين و شبههم و الذي ينص على أنه: "يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام و بخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه و كل مدير أو عضو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية و التجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكلف بمقتضى و ظيفه ببيع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغل صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما".
   بالرجوع إلى كل ما سبق ذكره، نستنتج أن الاستيلاءات الواقعة من قبل المؤتمن العدلي أو المتصرف القضائي تصنف ضمن الاختلاسات الواقعة من الموظفين العموميين و أشباههم على معنى الفصل 96 من م.ج إذا كان هؤلاء معينون على مؤسسة من الأصناف المذكورة أعلاه. أما إذا كان هؤلاء معينون للقيام بمهامهم في إطار شركات أو مؤسسات خاصة، فإن الاستيلاءات الواقعة من قبلهم تدخل تحت طائلة الفقرة الثانية من الفصل 297 من م.ج المتعلقة بالخيانة الموصوفة.
ه- صفة مدير الوقف أو المستخدم به:
   الوقف لغة هو الحبس و المنع. أما في الاصطلاح الشرعي فقد تعددت تعريفات الفقهاء للوقف. فقد عرفه أبو حنيفة بكونه:" حبس العين على ملك الواقف و التصدق بمنفعتها على جهة من جهات البر في الحال أو المآل". و عرفه بعض فقهاء الشافعية بأنه " حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه على مصرف مباح". و عرفه المالكية بأنه " تحبيس الأصل و تسبيل المنفعة"[126].
و مدير الوقف إذا هو الشخص الذي توكل له مهمة إدارة الوقف و المحافظة عليه لمصلحة الأشخاص الموقوف عليهم.
   أما المستخدم بالوقف فهو الشخص العامل به. إلا أن الوقوف عند هذه الصفة أصبح غير ذي جدوى و كان من الأجدر مراجعة الفصل 297 من م.ج لحذفها، ذلك أن المشرع التونسي قد ألغى منذ سنوات طويلة نظام الأوقاف أو الأحباس و ذلك بمقتضى أمر 31 ماي 1956 الذي ألغى الأحباس العامة و أمر 18 تموز1957 الذي ألغى الأحباس الخاصة و المشتركة .
  ختاما تجدر مقارنة القانون التونسي ببعض القوانين الأخرى في إطار الصفات  المشددة في العقاب . ففي التشريع المصري مثلا يعتبر الفصل 341 من قانون العقوبات أنّ جريمة خيانة الأمانة هي دائما مجرّدة و لا تصبح موصوفة، فلم ينصّ هذا الفصل على أيّ صفة من الصفات المشدّدة للعقاب.
   أمّا في القانون اللبناني فقد نصّ المشرّع على ظروف تشديد للعقاب تجعل من جريمة خيانة الأمانة موصوفة، إذ اعتبر أنّه " يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات الأشخاص المذكورون فيما يلي عندما يقدمون على إساءة الأمانة بالأموال المسلمة إليهم أو المناط أمرها بهم وفقا لنصّ إحدى المادتين 670 و 671 السابقتين :
1 متولي الوقف
2 مدير مؤسسة أو جمعية خيرية و كل مسؤول عن أموالها
3 وصي القاصر و فاقد الأهلية و ممثله
4 منفذ الوصية أو عقد الزواج
5 كل محام أو كاتب عدل أو وكيل أعمال مفوض
6 كل مستخدم أو خادم مأجور و كل مرتبط بعقد عمل لقاء أجر مع أي مؤسسة خاصة
7 كل شخص مستناب من السلطة لإدارة أموال تخص الدولة أو الأفراد أو لحراستها"[127].
أما في القانون الفرنسي فقد نص الفصل 314-2 و 3 من م.ج على ظروف تشديد تصبح جريمة خيانة الأمانة بتوفر أحدها موصوفة. لكن العقاب يختلف باختلاف صفة الجاني. ففي بعض الحالات يرتفع العقاب إلى السجن لمدة سبع سنوات وغرامةقدرها 750000 أورو إذا كان الجاني مثلا "شخصا ينتصب للعموم قصد تسلم منقولات أو قيم سواء لحسابه الخاص أو بصفته كمسير أو مكلف بمؤسسة صناعية أو تجارية"[128].
   و في حالات أخرى يرتفع العقاب إلى عشر سنوات و غرامة قدرها 1500000 أورو في الصورة التي ترتكب فيها خيانة الأمانة من قبل "وكيل قضائي أو مأمور عمومي سواء ارتكبت الجريمة أثناء مباشرته لوظيفته أو بمناسبتها أو نظرا لصفته تلك"[129].
     و بالتالي فإن الصفات المشددة للعقاب في القانون التونسي تختلف بعض الشيء عن الصفات المذكورة في بعض القوانين المقارنة. لكن و لئن اختلفت هذه الصفات فإن أساس تشديد العقاب واحد وهو ذلك القدر الأكبر من الثقة التي وضعها المجني عليه لدى الجاني، ذلك أن الأشخاص الذين تنطبق عليهم الصفات المذكورة يفترض أن يتوفر فيهم جانب كبير من الأمانة و الثقة استنادا للمهام الموكولة إليهم وهو ما لا يتوفر بنفس القدر في الأمين العادي. فخيانة الأمانة من قبل ولي القاصر أو المؤتمن العدلي أو المتصرف القضائي مثلا هو أمر أكثر خطورة على الأفراد من خيانة الأمين العادي نظرا للواجبات الثقيلة المحمولة عليهم و المتمثلة خاصة في الحماية و المحافظة على الأشياء المؤمنة لديهم، وهو ما يبرر تغير الجريمة من خيانة مجردة إلى خيانة موصوفة.


















خاتمة
   تبعا لما سلف ذكره نستخلص أن لجريمة خيانة الأمانة خصوصيات من حيث شروط قيامها و أخرى من حيث آثارها مما يميزها عن بقية الجرائم المجاورة لها. فهي تستلزم لقيامها توفر جملة من الشروط الأولية المتمثلة في وجود عقد من عقود الأمانة المنصوص عليها بالفصل 297 من م.ج و تسليم الشيء للجاني بناء عليه من جهة أولى. كما تستوجب توفر ركن مادي متمثل في الاختلاس أو الإتلاف و ركن معنوي ألا وهو نية الإضرار بصاحب الشيء المستولى عليه من جهة أخرى.
   أما في خصوص العقاب، فقد اعتبر المشرع الليبي  خيانة الأمانة جنحة في الخيانة المجردة و جناية في الخيانة الموصوفة عند توفر صفة من الصفات المشددة للعقاب نظرا لما يفترض في أصحاب تلك الصفات من الثقة و الأمانة أكثر من الأمين العادي.









([1])   رواه الإمام أحمد في المسند (3/135و154و210)، وإسناده حسن . الموسوعة الحديثية لمسند الإمام أحمد بن حنبل، إشراف : د. عبد الله التركي، وتحقيق : مجموعة من المحققين (19/376) .
([2])   تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري (20/340) .
 عدلي خليل،"جريمة خيانة الأمانة و الجرائم الملحقة بها"، دار الكتب القانونية، مصر، المجلة الكبرى، ص 5 .[3]
 المنجي الأخضر،""جرائم الاستيلاء على الأموال في القانون و فقه القضاء"، معهد الدراسات العليا للنشر، ص 77 .[4]
 عبد المجيد سعيد : "مقارنة بين جريمتي السرقة و التحيل"، رسالة تخرج من المعهد الأعلى للقضاء، الفوج الخامس 1992 -1993 .[5]
([6])  مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب : عبد الرحمن بن قاسم (28/244-397)، كما طبعت مستقلة في 134 صفحة .
([7])  يقع الكتاب في 126 صفحة .
([8])  يقع الكتاب في مجلدين كبيرين، وموضوع الأمانة في المجلد الأول، صفحة 645-666 .
([9])  بإشراف : د. صالح بن حميد، وتتكون الموسوعة من اثني عشر مجلدا، جاء ذكر الأمانة في المجلد الثالث، صفحة 507-524 . وبضدها جاء ذكر الخيانة في المجلد العاشر ، صفحة 4482-4497 .
([10])  انظر : الثقافة الإسلامية –تخصصا ومادة وقسما علميا- إعداد : مجموع من المختصين، صفحة 22 .
 جندي عبد الملك، " الموسوعة الجنائية"-المجلد الثالث ص. 327.[11]
طعن رقم625 لسنة 46-جلسة 1 نوفمبر 1976 س 27 ص 835، في عدلي خليل، مرجع سابق، ص 128.[12]
 المنجي الأخضر، مرجع سابق، ص 84.[13]
QUERO,  "Contrats et abus de confiance » P 40 .[14]
 جلال الفرجاوي، مقال "الايجار المالي في القانون التونسي"، م.ق.ت 1999، ص.56.[15]
 رؤف عبيد، "جرائم الاعتداء على الاشخاص و الاموال"، دار الفكر العربي، الطبعة الثامنة، ص 557.[16]
 نقض 4 افريل 1929 المحاماة س 9 ص 835  في عدلي خليل، مرجع سابق، ص 128.[17]
 الفصل 995 من م.ا.ع.[18]
 محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، ص 1175.[19]
 تعقيب 21 جويلية 1953 ق.ت 1960 ع 9 و 10 ص 234 ع 6 .[20]
 رؤف عبيد، مرجع سابق، ص 553.[21]
 أنظر الفصلين 1121 و 1122 من م.ا.ع.[22]
 المنجي الاخضر، مرجع سابق، ص 86.[23]
 أنظر قرار تعقيبي مدني عدد 11557 مؤرخ في 23 جويلية 1984 .[24]
 أنظر الفقرة 1 من الفصل 210 من م.ح.ع.[25]
 أنظر الفقرة 2 من الفصل 210 من م.ح.ع.[26]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 7912 مؤرخ في 11 نوفمبر 1982.[27]
[28]  أنظر الفصل 236 من م.ح.ع.
 الفصل 1081 من م.ا.ع.[29]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 5833 مؤرخ في 28 أفريل 1982.[30]
 رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص. 558.[31]
 الفصل 1075 من م.ا.ع.[32]
 الفصل 828 من م.ا.ع. فقرة 1.[33]
 الفصل 828 من م.ا.ع فقرة 2.[34]
 الفصل 627 من م.ت.[35]
 عبد الخالق النواوي، جرائم السرقة في الشريعة الإسلامية و القانون الوضعي، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، ص 9.[36]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 4382 مؤرخ في 19 ماي 1982.[37]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 373 مؤرخ في 10 سبتمبر 1975.[38]
[39]  Garçon, code pénal annoté, art 408.
[40]  Garrand, Traité théorique et pratique du droit pénal français, p. 580.
[41]  الفصل 428 من م.ا.ع.
[42]  الفصل 430 من م.ا.ع.
[43]  الفصل 492 من م.ا.ع.
[44]  Crim. 17 dec. 1921, D. p. 1923. 1. 178.
[45]  قرار تعقيبي جزائي عدد 10772 مؤرخ في 21 ديسمبر 1983.ن.م.ت.ق.ج لسنة 1984 ص 29.
[46]  جلسة 03 جوان 1935، طعن رقم 1326 سنة 5 ق، في معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص. 200.
[47] جلسة 17 ماي 1943 طعن رقم 1245 سنة 13 ق. في معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص. 203 و 204.
 معوض عبد التواب، الوسيط في جريمتي النصب و خيانة الامانة (التبديد)، منشأة المعارف بالاسكندرية، ص. 115.[48]
 Crim 8 Nov. 1869, D 1870 . 1.382أنظر مثلا  [49]
 Rassat, Michael , droit penal special. P 133 .[50]
 المنجي الأخضر، مرجع سابق، ص 96.[51]
 عبد الخالق النواوي، مرجع سابق، ص.8.[52]
 نفس المرجع ص 9.[53]
 معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص 116. [54]
 Cass. Crim 27 avril 1854 , D. P.1854 p. 320  أنظر[55]
 معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص 150 .[56]
 نفس المرجع، ص 151.[57]
 أنظر الفصل 296 من قانون العقوبات المصري.[58]
 عدلي خليل، مرجع سابق، ص 113.[59]
 Cass. Crim 9 dec. 1965 , D. 1966.145. [60]
 أنظر كذلك قرار تعقيبي مدني عدد 7393 مؤرخ في 28 جانفي 1971.[61]
 الفصل 1031 من م.ا.ع.[62]
 Veron, Micheal , droit pénal spécial,p. 227. [63]
 Wilfrid Jeandidier,op. cit, p.10[64]
 رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص 577.[65]
 نفس المرجع، ص 577.[66]
 نفس المرجع، ص 162.[67]
 Crim. 23 mars 1987. Gaz pal. 1988. 1. Somm. 4. [68]
 مصطفى مجدي هرجه,: جرائم الشيك و النصب و خيانة الأمانة، ص 188.[69]
 معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص 153.[70]
 نقض 27 أفريل 1953، أحكام النقض س 4 رقم 676 ص 758.[71]
 رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص 579.[72]
 محكمة النقض المصرية، طعن رقم 27 جلسة 8 أفريل 1958 س 9 ص372.[73]
 مصطفى مجدي هرجه: جرائم الشيك و النصب و خيانة الأمانة: ص 188.[74]
 Cass. Crim. 14 fevrier. 1979 . Bull. crim, n° 68. [75]
[76] قرار تعقيبي جزائي عدد 5915 مؤرخ في 2 أفريل 1969-ن.م.ق.ج عدد 1 لسنة 1969 ص 125.
[77]  Garrand, op. cit. p. 633.
[78]  Garçon, op. cit. p. 633.
[79]  قرار تعقيبي جزائي عدد 7153 مؤرخ في 4 ديسمبر 1972. ن.م.ت.ق.ج سنة 1972. ص 131.
 مصطفى بن جعفر، القانون الجزائي التونسي، القسم العام 2009، ص 104.[80]
 نفس المرجع، ص. 102.[81]
 منجي الاخضر، مرجع سابق، ص. 99.[82]
 رؤوف عبيد، مرجع سابق، ص. 584.[83]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 33547 بتاريخ 15 ماي 1991 ن ص 74.[84]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 18413 بتاريخ 30 أفريل 1986 ن ص 355.[85]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 33235 بتاريخ 7 ماي 2003 ن.ص. 221.[86]
 مصطفى بن جعفر، مرجع سابق، ص. 104.[87]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 12606 مؤرخ في 10تموز 1985.[88]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 48922 مؤرخ في 26 سبتمبر 1994.[89]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 14367 مؤرخ في 21 أبريل 2006.[90]
 جارسون فقرة 19، 37، في رؤوف عبيد، مرجع سابق ص. 585.[91]
 معوض عبد التواب، مرجع سابق، ص. 169.[92]
 قرار تعقيبي جزائي عدد 34144 الصادر في 27 مارس 2003 ن.ص. 187.[93]
قرار تعقيبي جزائي عدد 288 مؤرخ في 9 جوان 1993: " إذا كانت السرقة قد تمت بدون خلع أو تسور أو بأية حال من الأحوال الواردة بالفصل 260 من م.ج فإنها تعتبر سرقة مجردة..." [94]
 أنظر الفصل 264 من م.ج.[95]
 الفصل 266 من م.ج.[96]
Avril 1866 : bull. crim. N° 125. [97] Cass. Crim.,28
[98] جندي عبد الملك الموسوعة الجنائية، المجلد الثالث ص 408.
[99] Crim. 4 sep. 1995 Dr. Penal 1996. Comm. 6. Rev. Sc. Crim. 1996. 378 obs OTT ENHOF.
[100] الفصل 59 من م ج.
[101]  قرار تعقيبي جزائي عدد 12410 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 1984 ص 173.
[102]  قرار تعقيبي جزائي عدد 5997 في 29 أفريل 1968 مبادئ محكمة التعقيب من 1957 إلى 1970 ص 36.
[103]  مصطفى بن جعفر، مرجع سابق، ص. 86 -87.
[104]  قرار تعقيبي جزائي عدد 5839 الصادر بتاريخ 7 أوت 1968 مجموعة المبادئ، ص. 36.
[105]  مصطفى بن جعفر، مرجع سابق، ص. 93-95.
[106]  Garrand, op .cit . p. 495.
[107] Wilfrid Jean didier, op.cit.p.18.
[108]  الفصل 314 -1 من المجلة الجنائية الفرنسية الجديدة.
[109]  الفصل 314-2 من نفس المجلة.
[110]  الفصل 314-3 من نفس المجلة.
[111]  الدكتور كامل السعيد، شرح قانون العقوبات الأردني، الجرائم الواقعة على الأموال، ص. 341.
[112]  الفصل 1104 من م.ا.ع.
[113]  أنظر الفصل 314-3 من المجلة الجزائية الفرنسية.
[114]  منجي الأخضر، مرجع سابق، ص. 103.
[115]  نفس المرجع، ص. 102.
[116]  نفس المرجع، ص. 103.
[117]  الفصل 154 من م.أ.ش.
[118]  الفصل 154 من م.أ.ش. فقرة 1.
[119]  الفصل 154 من م.أ.ش. فقرة 2.
[120]  منجي الأخضر، مرجع سابق، ص. 103.
[121]  أنظر الفصول 161 و 164 من م.أ.ش.
[122]  محمود نجيب حسني، جرائم الإعتداء على الأموال في قانون العقوبات اللبناني، ص. 447.
[123]  الأستاذ منير بو الأعراس، م.ق.ت. عدد 3، مارس 2000، ص. 137.
[124]  الفصل 26 من القانون عدد 79 لسنة 2003 مؤرخ في 29 ديسمبر 2003.
[125]  قرار تعقيبي جزائي عدد 1965 مؤرخ في 9 فيفري 1977-ن.م.ت. ق.ج سنة 1977،ص.71-يتعلق بالخيانة الواقعة من طرف مؤتمن عدلي.
[126]  مفهوم الوقف و أحكامه: أركانه و شروطه، في http://www.blog.saeed.com/2009/10/p.1.
[127]  الفصل 672 من قانون العقوبات اللبناني
[128]  الفصل 314-2 فقرة 1 من المجلة الجنائية الفرنسية الجديدة.
[129] الفصل 314-3 من المجلة الجنائية الفرنسية الجديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق