الثلاثاء، 4 يونيو 2013

الأقليات..حولنا الشموع إلى أعواد الثقاب


إلى كافة الأمم والشعوب.. 
إلى أصحاب الضمائر.. إلى عشاق الحرية..إلى الوطن
  تمهيد:
  مشكلة أطرحها للبحث، وقد يحمل فكرك أيها القارئ العزيز حلولا، وربما وجهة نظر أوضح وأعمق، ولا تنسى بأن الناتج السنوي للشركات المتعددة الجنسيات في عصرنا تفوق الناتج السنوي لبعض الدول.
-       مازلنا نعالج مشكلاتنا الوطنية بطريقة الهروب منها.
-       تركنا أوضاعنا الداخلية على حالها منذ العهد الإغريقي لعجزنا عن فهمها ومن ثم مواجهتها.
-        نتهم الإستعمار مرة، والصهيونية العالمية تارة، وإسرائيل مرارا وتكرارا، لما يحدث للبلدان العربية بشكل خاص والدول الإسلامية والنامية بشكل عام، لأنهم شماعة ملائمة، علما بأن الحل أمام أعيينا وبيدنا .
-       شاركنا الحكومات العسكرية الديكتاتورية الخديعة على شعوبنا حينما صفقنا لهم، وقدمنا لهم أبنائنا قرابين لهم، لأننا ركضنا وراء وهم القوة هربا من معاناة الحرية، وكنا سعداء لعجزنا من مواجهتهم، لذلك ظلت مشكلاتنا الحقيقية تعيش في الظل بغير رؤية واضحة و لا حلول علمية حتى انفجرت. والسؤال هل سنخدع شعوبنا مرة ثانية؟ والمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين.
تاريخيا:
   إن العربي – مسلما كان، أو مسيحيا، أو يهوديا هو مشرقي أيضا – قبلي مرتحل، ولاؤه لقبيلته، فلما ارتقى صار ولاؤه دينيا، أرضه غير ثابتة لأن وطن البدوي رزق وليس أرضا، وكانت بيئته واحات وصحراء حتى أصبح كحبة الرمل قاسية بنفسها قوية، مستعصية متمردة، تعيش محاصرة وتوجه تحديا دائما، لا تسقط به و لا تنتصر عليه. مما عزز لديه نقص الروح الوطنية، أي نقص الارتباط بالأرض، ووفرة الفكر الديني، الأمر الذي أدى إلى جعلها مجموعة قوى متعايشة تارة ومتصارعة تارة أخرى، وحاليا تعيش انفصاما مكعبا، والسبب لم يحافظ على المروءة و لا الشهامة والوفاء العربي، ولم يحافظ على مبادئ الإسلام من السماحة والمحبة والسلام بين الشعوب، ولم يأخذ أيضا العادات والتقاليد الغربية من حكم القانون ودفع الضرائب.
     ويمكن القول بأن العالم العربي ينقسم إلى مجموعتين تعيش في منطقتين وقارتين، تتشارك في اللغة والدين وتتباعد فيما سوى ذلك. ففي المشرق يوجد الثالوث – الأقليات القومية والدينية و الطائيفية – مع  الشعوب العربية، كما يوجد مثل هذا الثالوث في المغرب العربي أيضا.
الأقليات القومية في المشرق هم: الأكراد، الأرمن، الأشوريون، الشركس، والتركمان، ويقارب حاليا عدد الأكراد في كل من سورية والعراق حوالي عشرة ملايين، وعدد الأفليات الأخرى تتراوح بين نصف مليون إلى مليونيين.
الأقليات الدينية في المشرق: هي المسيحيون، اليهود، اليزيديون، فالمسلمون هم أكثرية في مواجهة كل أقلية وحدها، وبانفصال عناصر الأقلية الكردية المسلمة عنهم قوميا، يتحول العرب إلى أقلية.
أما الأقليات الطائفية في المشرق فتتوزع على قسمين: أقليات إسلامية، وأخرى مسيحية، فالأقليات الإسلامية هي: السنة، الشيعة، العلويين، الدروز، والأقليات المسيحية هي: الكاثوليك، البروتستانت، الأرثوذكس، الموارنة، والسريان الكاثوليك، والسريان الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك، والأرمن الأرثوذكس، ويمكن أن نلاحظ في جغرافية المنطقة إن بعض تلك الأقليات تتمتع بنوع من الوحدة الجغرافية كالعلويين في سورية و الدروز في لبنان وفلسطين وسورية و التركمان في العراق والأكراد في العراق وسورية والمسيحيين في جبال لبنان، ولهم تقاليدهم وعاداتهم المشتقة من حياتهم الخاصة، وبذلك يمكن أن يشكلون نوعا من المجتمعات الوطنية الصغيرة داخل مجتمعاتهم الأكبر.
   إن هذا التوزيع للإقليات يمنح المنطقة نوعا من الحيوية ويغني تراثها الفكري والحضاري ويمكن أن تكون شمعتها، غير أنه قد يشكل أيضا عود ثقاب سياسيا، فالأقليات في معظم المجتمعات ومهما يكن لونها، تتصف بعنصرين هما أولا: الخوف على المصالح والعقائد من الأكثرية، وثانيا: التطلع إلى الخارج للحماية.
مسئولية الأكثرية هي استخدام الدبلوماسية مع  الشموع حتى لا تتحول لأعواد الثقاب وذلك بمنع الخوف داخل الوطن أولا ثم منع التطلع للخارج ثانيا .
   حيث بدأت بروز المشكلة منذ العهد العثماني دينيا ثم قوميا- فبعد عهد التسامح الديني الذي انطلقت به الدعوة الإسلامية أول عهدها، لأنه حافظ على التوازن بين الأقليات بأن أبقى لها إيمانها وتراثها الفكري وحياتها الإجتماعية ولم يصهره - بالتشدد مع الأقليات لعوامل وأسباب يصعب جلاؤها، ثم أقامت لهم نوعا من "الغيتو" الاجتماعي يميزهم عن سائر الناس ويعرف بهم. الأمر الذي دفع بالأقليات نتيجة الاضطهاد إلى التطلع للخارج للحماية، فلما انكسر العثمانيون في معركة "ليبانت" وتم تدمير أسطولهم في 6 اكتوبر 1571م، ودخلت الدولة العثمانية مرحلة التسويات السياسية، وتكمن الغرب من استغلال هذا العامل الداخلي في الدولة. وفي عام 1604م جدد ملك فرنسا هنري الرابع المعاهدة مع السلطان محمود الثالث مضيفا الى المعاهدة مادة يعترف فيها الباب العالي لملك فرنسا هنري الرابع بحق حماية المسيحيين الكاثوليك من رعايا ممالك أوروبا في الشرق.
   وفي عام1770م اضطر السلطان العثماني عبد الحميد الأول إلى توقيع معاهدة "كوجوك- قينرجي" وفيه يعترف لكاترين إمبراطورة روسيا، بالإضافة إلى استقلال شبه جزيرة القرم، وصربيا، وكوبان، وبحرية الملاحة في البحر الأسود، بحق حماية الأرثوذكس وكنائسهم في الدولة العثمانية، نستنتج مما سبق بأنه أصبح في المنطقة أقليتان تتمتعان بحق الحماية الخارجية: لملك فرنسا هنري الرابع بحق حماية المسيحيين الكاثوليك، و لكاترين إمبراطورة روسيا بحق حماية الأرثوذكس وكنائسهم.
   وفي 30 يناير1803م،  حسب تقرير سيباستياني مبعوث الشخصي لنابليون بونابرت في مهمته السرية لأحمد الجزار والي عكا بلبنان يؤكد بأن فرنسا شملت المعاهدة حماية الشيعة إلى جانب الأرثوذكس، وكان أحد أبرز عوامل استدراج التدخل الأجنبي.
   ومنذ عام 1604م إلى 2013م لازال الأكراد والأرمن والعرب والقبارصة يناضلون لأجل حقوقهم من الدولة العثمانية ومن ثم التركية والآن يبحثون في دهاليز نيو عثمان عن التساوي في المعاملة الإنسانية، والسؤال كم هي قدرة ساستنا في التعايش المشترك بين الأقليات؟ لأن الشعوب متفاهمون.
    أما المسألة القومية لم تكن أقل من سابقتها، فالعرب الذين كانوا يشعرون تجاه الدولة العثمانية، بمثل ما تشعر به الأقليات اليوم نحو العرب، فمن العراق إلى سورية مرورا بلبنان وفلسطين حيث تعيش الأقليات كان القاسم المشترك بينها هو التخلص من الاستعمار الغربي، حتى تنبهت إلى محتوى دعوة القومية العربية التي لا تقل عن محتوى استغلال العثمانيين للدين الإسلامي، الأمر الذي دفع بالأقليات تفجير المشكلات بسبب عدم التساوي في حقوق الإنسان تارة، وبحجة الحفاظ على تراثهم الثقافي تارة أخرى، ففي سورية تفجرت مشكلة العلويين و الدروز، وإلى حد ما تفجرت مشكلة الأكراد. وفي العراق تفجرت مشكلة الأكراد، و مشكلات السنة والشيعة، فقد صرف الحكام العسكريين المتعاقبين من الأموال والعتاد على المشكلة الكردية أكثر بعشرة أضعاف على التخلص من إسرائيل، لدرجة سماهم عبدالكريم قاسم إنهم يهود العراق، وتناسى صلاح الدين الأيوبي الذي كان والده حاكما على مدينة تكريت. وفي لبنان تفجرت مشكلة السنة والشيعة من جهة، ومشكلة المسلمين والمسيحيين من جهة أخرى. وفي فلسطين تفجرت مشكلات المسلمين والمسيحيين واليهود. الأمر الذي أدى إلى ولادة إسرائيل.
   ولن نستطيع أن نلقي اللوم على هذه الأقليات، ونتهمها كلما شاء الفشل ذلك، فلقد عانت الكثير خلال الحكم العثماني وحمل لواء الإسلام مسئولية ذلك وهو برئ، ثم خلال عهد الإنتداب، ثم لم يعطيها الاستقلال الوطني شيئا.
   طبعا، ثمة ردود فعل مخطئة تقابل فعلا مخطئا، فلا الفعل، و لا ردود الفعل هما الشكل الأفضل لإقامة الدولة الوطنية في المشرق، كلاهما يبدو متحجرا على مفاهيم تجاوزها العصر والتطور، فالأفكار البعثية ومن ثم الناصرية التعصبية للقومية العربية ومن ثم دعوتها إلى تطبيق الأفكار الإشتراكية في الاقتصاد، حملت في بعض الأحيان قساوة على الإقليات، مما أدى إلى خروج اللعبة من يد اللاعب العربي، ليغدوا الوجود الروسي وحلمه في المياه الدافئة مستقلا وعاملا لحسابه في المنطقة، من حيث يظن العرب أنه يخدم صراعهم القومي.
ومن الواضح أن القوميون لم يستخدموا الدبلوماسية مع الشموع فتحولوا إلى أعواد الثقاب، لأن التنوع في الأقليات هي الموزاييك التي تعطي للدولة جمالا، وتمنع تدخل الأجنبي في مشكلاتنا الداخلية، لأن الدعوة القومية العربية سبق وهدمت الفكرة الدينية منذ أفكار عبد الرحمن الكواكبي والانفصال عن الحكم العثماني، وكان عليها أن تستوعب حقائق ومطامح هذه الأقليات.
الحل في تصوري على دعاة القومية العربية، والذين يستغلون الدين الإسلامي والأديان الأخرى الاستفاد من تجارب العثمانيين الخاطئة في حق الأقليات، وأن تتحرر من نفسها وأوهامها أولا، ثم عليها أن تحمل فكرا موضوعيا بها لتحقق لنفسها ولغيرها العيش بسلام ثانيا، حتى يظل إسرائيل عقيما.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق