السبت، 22 ديسمبر 2012

جريمة قتل الوليد في الشرائع والحضارات العريقة واتفاقيات الجمعية العامة للأمم المتحدة



بسم الله الرحمن الرخيم




 (والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماماً).

سورة الفرقان- اية (74).

مقدمة :   يعتبر الحق في الحياة من بين الحقوق المقدسة والأصلية فقد أقرته كل الشرائع السماوية باعتباره أساس وجود الإنسان لذلك جرمت الشريعة الإسلامية أي اعتداد على حياة الإنسان مصداقا لقوله تعالى :” من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا. كما أكدت كل الاتفاقيات الدولية والتشريعات الجنائية على هذا الحق من خلال دعوة الدول إلى ضمان هذا الحق وتحصينه بإتخاذ كل السبل الكفيلة لحماية الإنسان مند أن يكون جنينا وكذلك وليدا وتشديد الحماية عليه من التعرض للخطر.
الركن الأول لجريمة قتل طفل حديث الولادة هو فعل القتل الإرادي سواء كان قتل عمد بسيط أو اغتيال سواء تصرف الفاعل بسبق إصرار أو من عدمه .الفعل هنا هو إزهاق روح إنسان وتتسم باستعمال العنف أو أعمال ماديه او يتحقق القتل بالترك أو الامتناع عن تقديم العناية الكافية متى كانت لدى الفاعل نية إزهاق روح إنسان- طفل حديث الولادة والباعث على هذه الجريمة لا يغير صفه القتل الإرادي فالأسباب التي تدعو الجناة للقتل كثيرة كالخوف في حاله الأم التي تقتل طفلها اتقاء للعار أو بدافع الرحمة كون الطفل المولود غير مكتمل التكوين أو يكون الباعث عدم الرغبة في جنس الجنين أو بسبب كثره عدد الأولاد وعدم الرغبة في المزيد
الركن الثاني. صفة المجني عليه كونه طفل حديث الولادة، إن الذي يفرق الإجهاض عن هذه الجريمة أن المجني عليه في الجريمة الأخيرة يجب أن يكون حيا لحظه ارتكابها.
مشكلة البحث:
-       أن الحالة الاقتصادية للإنسان القديم و قسوة الطبيعة وصعوبة الحصول على القوت، أدت إلى قتل الأطفال كما كان يقتل الشيوخ والعجزة،  ولم تحرمها الأعراف أو تعاقب عليه الشرائع. وكان واد المواليد الإناث أكثر شيوعاً، فهن في الغالب إنفاق لا إنتاج.
-       إن انتشار الخرافات المتسترة بالدين غلب الطابع الديني على قتل الأطفال فكان الطفل يقدم على مذبح الآلهة، وفي المناسبات الدينية، أضحية وقرباناً كما كان يجري في قرطاجة مثلاً. ومن الطبيعي أن تحرم الأديان السماوية قتل الأطفال فقد حرمته المسيحية وكذلك الشريعة الإسلامية .
-       إن العادات التي كانت متبعة في الجاهلية بين العرب. وأد البنات تجنبا للعار أو قتل الأطفال خشية الفضيحة.
-       إن بعض الفلاسفة ورجال الفكر يرون في الإعدام عقوبة صارمة ظالمة، وأشفقوا أن تطبق هذه العقوبة القصوى على فتاة أخطأت في ساعة إغراء أو طيش أو ضعف أو إكراه فحملت في أحشائها ثمرة الخطيئة، ثم لما وضعت، عصفت في نفسها خشية العار والفضيحة، فأقدمت على قتل وليدها اتقاءً للعار.
-  ما هو الباعث على ارتكاب الجريمة (نية اتقاء العار).؟ ولكن بما أن الجاني في جريمة قتل الأم لطفلها حديث الولادة  اتقاء للعار هي (الأم) وهي تعد أصل للمقتول (الطفل) لذا يثور التساؤل بشأن حكم مسألة إذا ما قتلت الأم طفلها، هل تقتل به أم لا ؟,
-  إن الطفل بعد ولادته حياُ امتلك مقومات الحياة كإنسان، لذا فان قتل الطفل ولو كان ثمرة علاقة غير شرعية يعد قتلاً عمداً تتوافر فيه أركان هذه الجريمة بل إن قتل الطفل من قبل الأم يدعوا إلى التشديد معها ذلك إنها ارتكبت جريمتين، جريمة زنا وجريمة قتل.

أهمية البحث:
    يمكن القول إن تطور المدنية أدت إلى  تقلصت سلطة الأب وتحول حقه من السيطرة على أرواح أولاده إلى مجرد الحق في تأديبهم. وأول ظهور للشرائع المدونة في تاريخ العالم كان في زمن الإمبراطور حمورابي، فقد كانت فيه أولى الجهود البشرية في تنظيم الحياة الاجتماعية وفق قواعد مدونة. واهم ما يميز شرائع الإمبراطور حمورابي القديمة أنها إلى جانب كونها أقدم الشرائع البشرية- كانت على قدر عظيم من الرقي والتقدم مقارنة بجميع الشرائع القديمة التي جاءت بعده.
هدف البحث:
    هو دراسة التطور التاريخي لآية جريمة، لأن الجريمة تعد أداة لتفهم موقف التشريعات الدولية من تلك الجريمة والمبادئ القانونية التي كانت تسودها بشأنها، كما تعد وسيلة للتعرف على مقدار الأثر القانوني الذي أحدثته النظم والشرائع القديمة في تكوين النظم والشرائع المعاصرة.

فرضيات البحث:
الفرضية الأساسية: هي إن الحق في القصاص قد سقط في الجريمة، و منها الفرضيات الفرعية الآتية:
- اتجاه قرر للأم التي تقدم على قتل طفلها حديث الولادة اتقاء للعار عذراً مخففاً للعقوبة نظراً للحالة النفسية السيئة التي توجد فيها الأم التي حملت سفاحاً لحظة المخاض أو بعدها بقليل.
- اتجاه يجعل منها جريمة خاصة معاقباً عليها بأشد العقوبات، وذلك نظراً لان الطفل كائن ضعيف عاجز عن الدفاع عن نفسه.
- اتجاه لم يعالج هذه الجريمة أو يفرد لها نصاً خاصاً، وأخضعها بالتالي للقواعد العامة في القتل العمدي.
- إن الاتجاه التشريعي في تخفيف العقوبة بحق الأم القاتلة يعد ثغرة لا تغتفر في السياسة الحمائية للطفولة.
منهجية البحث:
  إن البحث قد أخذ بالمنهج الوصفي الذي يعتمد على ملاحظة الواقع سعيا لبناء بحث قانوني، عبر ما توفر لدينا من معلومات رغم النقص الحاصل إلا أنه تم بذل جهود استثنائه لاستكمال الحصول على معلومات من مصادر مختلفة بهدف إخراج البحث الذي بين أيدكم بالشكل الذي يمهد السبيل إلى إجراء دراسات معمقة من فبل مختصين، لأن قتل نبت الحياة الأطفال-جريمة لا تغتفر، فقد بذلت الباحثة جهود كبيرة لاستكمال البحث في حياتنا اليومية ، لقد جاء البحث في مبحثين حيث خصص كالآتي:
المبحث الأول :  دور المرأة في البدايات الأولى لتكوين النظام الأسري :
-  المطلب الأول : المرأة في الحضارات العريقة:
-  المطلب الثاني : تعريف الطفل القاصر لغة واصطلاحا
المبحث الثاني : التطور التاريخي لجريمة قتل الوليد
-  المطلب الأول : جريمة قتل الوليد في المدونات الدولية
-  المطلب الثاني : علة تقرير العذر المخفف:
- الخاتمة:
-الاستنتاجات :








المبحث الأول :
دور المرأة في البدايات الأولى لتكوين النظام الأسري :

-  المطلب الأول : المرأة في الحضارات العريقة:

-  المطلب الثاني : تعريف الطفل القاصر لغة واصطلاحا




المبحث الأول : دور المرأة في البدايات الأولى لتكوين النظام الأسري :
   إن دور المرأة في تلك الحقبة كانت محور الأسرة التي تجتمع حوله الأولاد، بالإضافة لمهمات المرأة المناطة بها كان ينظر لها أن وظيفتها الأساسية هي إنجاب الأطفال، هذه النظرة استمرت لآلاف السنين، وحتى ضمن الحضارات العريقة كان ينظر للمرأة بالنظرة ذاتها: « كانت نساء أثينا ملكاً لرجالهن يورثن كما تورث البيوت والعبيد والماشية. كان وجودهن يعتبر عدماً وبلا معنى إلا لخدمة غرضين تحيا النسوة وتموت لأجلهن... الأمومة... والخدمة العامة لرعاية الرجل والعائلة... وبذلك انحصرت آمال المرأة وحياتها في التطلع إلى الحصول على الذكر الذي يمنحها الطفل والبيت لتثبيت وجودها في المجتمع وتحس بقيمتها التي اختصرت على هذه الأهداف»،(1)
المطلب الأول: المرأة في الحضارات العريقة: ومنذ حقبة تلك «الحضارات» العريقة اعتبرت المرأة أساس الخطيئة وأنها هي التي تغوي الرجال، وقد انتقلت هذه الأفكار إلى الرومان، التي اقتبستها حرفياً بل وشرعت لعواقب بشعة ضد المرأة التي تخرج عن هذا العرف، وقد كان قسطنطين، أول إمبراطور مسيحي، و أول من شرع أن تعاقب المرأة التي تتحدث لرجل لا يوافق عليه أبوها، وقد كان عقابها الموت وذلك بصب رصاص مصهور في فمها. (2)
..........................................................................
1-انظر كتاب جمهورية أفلاطون، ترجمة المنياوي، 2010م، ص 120  121.
2- رجاء ناجي ” قتل الرأفة والحلاص ” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في الحقوق كلية الحقوق اكدال الرباط، السنة الجامعية 1999-2000 ص  180.
  وبعد أكثر من ألف عام من هذا الوصف بقي حال المرأة على ما هو عليه، بل إن الكلمات ذاتها كانت تعاد لوصف حال المرأة عبر العصور، ففي العصور الوسطى كانت المرأة تُذكَر دائماً بوضعها الوضيع وأن لا قيمة لها، وأنها أساس الخطيئة، وقد كانت الفتاة تعاقب وتضرب بشدة لأتفه الأسباب.(1)
1-الفقر وتحديد النسل:  من أكبر المشاكل التي واجهت شعوب العصور القديمة هي عملية تقنين النسل، وكان أبسط حل لتفادي حدوث مجاعة هو قتل الأطفال، وفي الغالب كانت تقتل الإناث بصورة أساسية فذلك سيخفض عدد الأفراد وسيقلل من أعداد الأمهات المستقبلية (2) بقيت مشكلة تحديد النسل ردحاً طويلاً من الزمن تشغل عقول الناس في مختلف الثقافات التي بدأت تبتكر طرقاً مختلفة لذلك، إلا أن حل قتل الرضع حديثي الولادة هو الحل الأمثل عند عدد من الجماعات الشعبية القديمة وفضلته على الإجهاض؛ لأنه لا يشمل المجازفة بحياة الأم بالإضافة إلى أنه بالإمكان معرفة جنس المولود قبل قتله، وربما لا يقتله في حال كان ذكراً (3)على سبيل المثال في الصين ومنذ القرن الحادي عشر كان المزارعون الفقراء يعيشون بقاعدة معينة وضعوها لأنفسهم وهي أن يربوا ثلاثة أطفال كحد أقصى، ولدان وبنت واحدة، وما زاد على ذلك يجب أن يقتل حتى في أوروبا عاشت العديد من الجماعات الشعبية على هذا المنوال، وعندما أصبح هناك قانون يجرم قتل الأطفال بدأ عدد من الكتاب يبحث
...........................................................................
1-   انظر كتاب  (deMause 2010 p. 173).
2-  ا ممدوح خليل ” الجرائم الماسة بحق الطفل في الحياة والسلامة البدنية مجلة الحقوق الكويتية عدد 3 شتنبر 2003 ص  118.
3-  سعد عبد العزيز الجرائم الواقعة على نظام الأسرة ، الديوان الوطني للأشغال التربوية القاهرة ، 2002 ص 45  
عن طرق تحديد النسل،  وقد اقترح Malthus  في العام 1798م فكرة الزواج المتأخر كحل لتحديد النسل. من هنا نستنتج أن ثقافة قتل الأطفال بدأت منذ الحقب القديمة كطريقة لتحديد النسل، وقد وقع الخيار في بادئ الأمر على الأنثى؛ وهكذا أسس أسلاف صانعي الحضارات العريقة أبشع جريمة في تاريخ البشرية. وسوف نتطرق هنا بصورة سريعة لثقافة قتل الأنثى في عدد من الثقافات(1).
2-إغراق الإناث في الصين:  تعتبر الصين من أقدم البلدان التي وثقت فيها عملية قتل الأطفال منذ الألف الأول قبل الميلاد وحتى القرن العشرين، وخلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن ابتدع الصينيون العديد من طرق قتل الأطفال الحديثي الولادة، وخصوصاً الإناث، وأشهر تلك الطرق هي طريقة إغراق الطفلة في دلو كبير مليء بالماء، ولمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع لكتاب(2)
3- وأد البنات عند العرب:  انتشرت عادة وأد البنات، أي دفنهم أحياء، في عدد من القبائل العربية قبل الإسلام مثل تميم وأسد وبكر وكنده وقريش. ولم تكن كل العرب تأد البنات فقد كان هناك من العرب من كان يحيي الموؤدات أي يمنع وأد البنات وذلك عن طريق شراء البنت من والدها، وكان من أهم أسباب إقدام الرجل على وأد ابنته هي: خشية الفقر وخشية العار من سقوطهن أسرى في يد الأعداء، وقد اختلف الباحثون حول تاريخ الوأد لكن معظمهم يرجعها لغزوة النعمان بن المنذر ملك الحيرة على قبيلة بني
.................................................................
1-       هلالي عبدالله أحمد ” الحماية الجنائية لحق الطفل في الحياة بين القانون الوضعي والشريعة الإسلامية ” دار النهضة العربية القاهرة  ،  1989 ص  308.
2-        انظر كتاب (Mungello 2008) المعنون Drowning Girls in China.
 تميم حينما امتنعوا عن دفع الضرائب فحاربهم واستولى على أموالهم ونسائهم، فكلّموه في إرجاع نسائهم، فقرر أن تختار المرأةُ نفسها العودة أو البقاء، فاختار بعضهن البقاء وعدم العودة إلى أهاليهن، وخاصة بنت قيس بن عاصم الذي نذر أن يدسّ كلَّ بنت تُولد له منذ ذلك الوقت؛ وبذلك انتشرت عادة وأد البنات بين تميم، وأخذتها بقية القبائل (1)
4-قتل الأطفال في أوروبا: (2). انتشرت عادة قتل الأطفال في العديد من مناطق أوروبا منذ حقب قديمة ومروراً بحقبة نشأة الحضارات كالحضارة اليونانية وخصوصاً في سبارتا، وقد ورث عنهم الرومان هذه العادة، واستمر الوضع حتى العصور الوسطى، ويعطي  deMause  في بحثه «Bipolar Christianity» صورة المرأة في العصور الوسطى فيذكر أنها كانت تعتبر تلوثاً خطيراً وعليه كانت تقتل أو تترك أو لا تغذى جيداً أو تغتصب أو بأقل تقدير لا تعامل كما يعامل الذكر من حيث الاهتمام والتغذية، ويذكر الكاتب جملة كانت مشهورة عن الأنثى «اجعل غذاءها دائماً يجعلها جائعة». وقد كانت الفتاة المسيحية دائماً تُخبر بأن ليس لها قيمة.  أما من كان يعتني بالفتيات في تلك الحقبة فكان يأمرها دائماً أن تحمل معها سكيناً لتدفع عن نفسها المغتصبين الذي يجوبون الشوارع؛

………………………………………………………………
1- انظر كتاب السيرة المحمّدية، السبحاني، النسخة الإلكترونية ص 255.
2-انظر الكتب التي وثقت حالة المرأة في القرون الوسطى ومنها كتاب «Women in Medieval society» الذي صدر العام 1976م الذي يضم عدداً من البحوث لعدد من الكتاب منها بحث Emily Coleman المعنون Infanticide in Early Middle Ages. وقد اعتمد Coleman على تحليل الدراسات الديموغرافية القديمة لمنطقة باريس وما حولها أي Ils-de-France؛
حيث إن اغتصاب الفتيات في تلك الحقبة كان شائعاً، في منطقة باريس وما حولها أي Ils-de-France؛ويرى Coleman أن هذه النتائج طبيعية ففي المزرعة الكبيرة هناك حاجة للعديد من النساء لتقوم بالعديد من الأعمال، ولا تمثل المرأة في هذه الحالة عبئاً على العائلة، بينما في العائلات الكبيرة والتي لا تمتلك مزرعة كبيرة ستمثل المرأة عبئاً، وعليه فإن الكاتب يرجح أنه تم التخلص من المواليد الإناث؛ حيث إن قتل الأطفال، وخصوصاً الإناث منهم، لم يكن بالأمر الغريب عن تلك الحقبة.
5-التواطؤ الجماعي لقتل الأطفال: (1)،  حتى القرن الثامن الميلادي كان الإجهاض شائعاً وكانت تعاقب المرأة التي تجهض نفسها بالصيام لمدة عامين، وفي القرن التاسع شددت العقوبة للصيام لمدة عشرة أعوام وكان هذا العقاب متعارف عليه في باريس. ويؤكد Coleman أن العامل الاقتصادي هو العامل الأساسي وراء إجهاض النساء وقتل الأطفال، ولكن مع تشديد العقوبات بدأت العديد من الأمهات حينها بترك أطفالهم على أبواب الكنائس، حينها بدأت الكنيسة بتخفيف عقوبة قتل الأطفال وخصوصاً للنساء الفقيرات  ويبدو أن هذا نوعاً من التواطؤ المبطن من قبل الكنيسة التي أهملت قضايا قتل الأطفال حديثي الولادة والذي كان يحدث وكأنه حدث روتيني في القرون الوسطى، والذي أهملته حتى المحاكم واستمر ذلك حتى القرن الثامن عشر، وفي القرن الثامن الميلادي كانت أقصى عقوبة للأم التي تقوم بقتل طفلها حديث الولادة هي حرمانها من دخول الكنيسة لمدة أربعين .

....................................................................................
1-أنظر كتاب الفقيرات  (Coleman 1976)
المطلب الثاني: تعريف الطفل القاصر لغة واصطلاحا .
  الطفل لغة : بكسر الطاء المشددة هو الصغير من كل شيء ، فالصغير من الناس أو الدواب طفل، والليل في أوله طفل، والطفل، الظلمة نفسها، وطفل تطفيلا أصابه التراب، وطفل الكلام تطفيلا أي تدربه وأصل لفظ الطفل من الطفالة أو النعومة ، فالوليد به طفالة ونعومة حق قيل الطفل هو الوليد مادام رخما أي ناعما، وكلمة طفل تطلق على الذكر والأنثى والفرد والجمع والمصدر طفولة قال تعالى:” هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة، ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا “  وقد نعني بالطفل جميع الأطفال قال تعالى:” أو الطفل الذين لم يظهروا على عورة النساء. (1)
    نستخلص مما جاء في كتب الفقه الإسلامي أن مرحلة الطفولة هي تلك المرحلة التي تبدأ بتكوين الجنين في بطن أمه وتنتهي بالبلوغ ، والبلوغ قد يكون بالعلامة وقد يكون بالسن، وعلامات البلوغ عند الأنثى الحيض والاحتلام والحبل وعند الذكر الاحتلام فإذا لم يوجد شيء من هذه العلامات الطبيعية كان البلوغ بالسن
2-القاصر في الاتفاقيات الدولية: (2) عرفت الاتفاقيات الدولية الطفل ” كل إنسان لم يتجاوز 18 سنة ولم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه“  ونجد أن أهمها اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضتها للتوقيع هذه الاتفاقية التي دخلت خير التنفيذ بتاريخ  1990
..............,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
1-       سورة الإسراء الآية 70. - سورة النور الآية 31.
2-       المادة 1 من اتفاقيات حقوق الطفل من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989 .
وصادق عليها المغرب بتاريخ 14 يونيو 1993 ونشرت بالجريدة الرسمية عدد  4440 بتاريخ ديسمبر 1996 ثم جاءت سنة 2004 لتدمج أغلب أحكام هذه الاتفاقية ضمن بنود مدونة الأسرة باستثناء حكم واحد هو ما نصت عليه المادة 12 تتعلق بحرية الطفل لانتماء للدين الذي يريده، لاعتبار أن المغرب دولة إسلامية ينص دستورها على أن دين الدولة هو الإسلام لذلك لا تعطي حرية للأطفال في تبني دين آخر، حيث تتضمن هذه الاتفاقيات عددا من المواد التي تهتم بشؤون الطفل سواء فيما يتعلق بالتربية أو بالتعليم أو ما يتعلق بتدابير الكفالة وحماية الأولاد في حالة وجودهم.
3  -القاصر في ظل مدونة الأسرة: (1) نصت المادة 209 من مدونة الأسرة:” سن الرشد القانوني هو 18 سنة شمسية كاملة ” إذن الطفل  من له أقل من 18 سنة شمسية كاملة. وإذا وصل إلى 18 سنة فهو مبدئيا راشد إلا إذا كان هناك سبب قانوني يدعوا إلى نقص أهليته أو فقدانها ولكن بالنسبة للزوج يبقى سن الزواج هو 18 سنة فهناك أهلية الزواج وهناك الأهلية المدنية وهذا حسب رأي مدونة الأسرة عن أهلية الزواج أساسا كما أن المدونة ربطت أهلية الزواج بسن 18 سنة في المادة 19 عندها تكتمل أهلية الزواج بإتمام الفتى والفتاة المتمتعين بقواههما العقلية ثمانية عشرة سنة شمسية كما أن المادة 20 أشارت أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى دون سن الأهلية المنصوص عليها في المادة 19 أعلاه بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب

......................................................................
1-       لدكتور إدريس الفاخوري، مدونة الأسرة بعد ثلاث سنوات من التطبيق الحصيلة والمعوقات ص 229-230.

 المبررة لذلك بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي. إذن عندما تتكلم عن حقوق الطفل ضمن هذه المدونة أي حقوق الإنسان الذي يقل عمره عن 18 سنة. فإذا رجعنا إلى المادة 54 من المدونة فإننا نجد بأن تلك المادة تنص على ما يلي: للأطفال على أبويهم الحقوق التالية: (1)
أ-حماية حياتهم وصحتهم منذ الحمل إلى انتهاء مرحلة الطفولة أو إتمام دراستهم عند الاقتضاء.
ب- العمل على تثبيت هويتهم والحفاظ عليها خاصة بالنسبة للإسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية.
ت- النسب والحضانة والنفقة طبقا لأحكام الكتاب الثالث من هذه المدونة.
ث- إرضاع الأم لأولادها عند الاستطاعة.
ج- اتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال للحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقائيا وعلاجا.
ح- التوجيه الديني والتربية على السلوك القويم وقيام النبل المؤدية إلى الصدق في القول والعمل واجتناب العنف المفضي إلى الإضرار الجسدي والمعنوي والحرص على الوقاية من كل استغلال يضر بمصالح الطفل.
خ-  التعليم والتكوين الذي يؤهلهم للحياة العملية والعضوية النافعة في المجتمع وعلى الآباء أن يهيئوا لأبنائهم قدر المستطاع الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني

ــــــــــــــــــــــــــــــ...........................................................................................................
1- عبد الحفيظ بلقاضي : مدخل إلى الأسس العامة للقانون الجنائي ج. II، مكتبة دار الأمان، الرباط، 2001، ص. 277 وما بعدها.


المبحث الثاني :
التطور التاريخي لجريمة قتل الوليد

-  المطلب الأول : جريمة قتل الوليد في المدونات الدولية

-  المطلب الثاني : علة تقرير العذر المخفف:


المبحث الثاني:  التطور التاريخي لجريمة قتل الوليد
المطلب الأول : جريمة قتل الوليد في المدونات الدولية(1)
     صدرت المدونة الجنائية الفرنسية الأولى خلوا من النص على جريمة قتل الوليد Infanticide وكان العقاب على هذه الحالة يتم إما على أساس القتل العمد البسيط أو على أساس القتل العمد المقترن بظرف سبق الإصرار. أما المدونة النابليونية الصادرة عام 1810 فقد اعتبرت هذه الجريمة جناية خاصة معاقبا عليها بالإعدام سواء أكان مرتكبها أما للضحية أو أحدا غيرها، وسواء اقترن ارتكابها بسبق الإصرار أو لم يقترن. وبالنظر إلى الشدة البالغة التي كانت تتسم بها العقوبة الواجبة التطبيق في هذه الحالة، من جهة، والى أن المحلفين غالبا ما كانوا يقعون تحت التأثير الشديد للظروف الدافعة للأمهات إلى التخلص من ولدانهن، من جهة أخرى، فان محاكم الجنايات كثيرا ما كانت تتراخى في تطبيق العقوبة المذكورة وتنطق ببراءة المتهمات الماثلات أمامها. وعلاجا لهذا الوضع، لم يجد المشرع الفرنسي بدا من التدخل بمقتضى القانون الصادر في 21 نوفمبر1901 الذي ميز في هذا الشأن بين حالتين : حالة ارتكاب الجريمة من قبل شخص من الغير حيث كانت تطبق عقوبة القتل العمد البسيط أو عقوبة القتل العمد المقترن بأحد ظروف التشديد، وحالة ارتكاب الجريمة من قبل أم الضحية حيث كانت تطبق عقوبة مخففة تتمثل أما في الأشغال الشاقة المؤبدة ( بدلا عن عقوبة الإعدام).

.............................................................................
1-       VITU (A), Droit pénal spécial … N. 2089, p. 1097.
إذا ما اقترن القتل بسبق الإصرار، وأما في الأشغال الشاقة المؤقت ( بدلا عن الإشغال الشاقة المؤبدة) إذا ما اتخذ القتل صورة بسيطة إلا أن هذا الإصلاح لم يحقق أثره في الحد من ظاهرة تمادي المحاكم في تبرئة المتهمات أو النطق في حقهن بمجرد عقوبات جنحية بسيطة. وأمام هذا التساهل المفرط كان لزاما على المشرع التدخل ثانية من خلال القانون الصادر في 2 سبتمبر1941 الذي يعتبر بموجبه وصف جريمة قتل الوليد من جناية إلى جنحة معاقب عليها بالسجن من ثلاث إلى عشر سنوات مع حرمان مرتكبها من الاستفادة من وقف التنفيذ ومن الظروف القضائية المخففة على حد سواء(1).
    إلا أن هذا الإصلاح لم يتردد صداه ايجابيا لدى الأوساط المعنية، بل كان عرضة لنقد شديد من ناحيتين: من حيث انه مما يتنافى مع الاعتبارات الأخلاقية والقانونية النزول بواقعة ذات خطورة إجرامية بالغة إلى مستوى الجنح، من جهة، ومن حيث أن هذا الإصلاح الذي أريد به الحزم والصرامة حيال هذا النوع من الجرائم سرعان ما افرغ من محتواه على أثر ما أدخل عليه من تعديلات بناء على القانون الصادر في 11 فبراير 1951 الذي أعاد للقضاء الزجري حريته كاملة في اختيار الجزاءات مما أفسح المجال أمام الجناة في جرائم قتل الوليد للاستفادة من نظام وقف التنفيذ فضلا عن الظروف المخففة، من جهة أخرى.


.................................................................
1-       المدونة الفرنسية ، ترجمة كاميران عايد أيوب، القانون الجنائي الخاص، مكتبة دار زاخو، أربيل2001، ص. 33 وما بعدها.
أما الحلقة الأخيرة في هذا المسار التطوري الطويل فتجسدت في القانون الصادر في 13 ابريل 1954 الذي اختار المشرع الفرنسي من خلاله الرجوع إلى النظام الذي كان مقررا في ظل قانون 21 نوفمبر1901 مع فارق يتمثل في خضوع الأم القاتلة لعقوبة مخففة واحدة وهي السجن من عشر إلى عشرين سنة بغض النظر عن ارتكابها الجريمة بسبق إصرار أو بدونه. وعليه فقد استقر الوضع النهائي، في ظل سريان المدونة الجنائية الفرنسية القديمة على تجريم قتل الوليد في إحدى صورتين: صورة " محايدة "NEUTRE إذا كان مرتكبها أحد الاغيار إما بصفته فاعلا أو شريكا في قتل بسيط أو قتل مقترن بأحد ظروف التشديد ( م 300 ج. ف) صورة " خاصة ( Spéciale  حيث تكون أم الوليد هي المقترفة للجريمة إما بصفتها فاعلة أو شريكة في قتل مخفف ( م. 302/2 ج. ف). وغني عن البيان إن هاتين الصورتين هما اللتان نقلهما المشرع المغربي في الفقرتين الأولى والثانية من المادة 397 من المدونة الجنائية.





------------------------------------------------
1-       أنظر المدونة الفرنسية الجديدة صدرت خلوا من كل إشارة الى جريمة قتل الوليد Infanticide سواء في صورتها المحايدة أو الخاصة . GARCON (E), op. Cit. Art. 300, n. 10 et s.
المطلب الثاني : علة تقرير العذر المخفف:
     يسود السياسات الجنائية الحديثة بشان جريمة قتل الأم لوليدها اتجاهان رئيسيان: اتجاه الأول يقرر العذر المخفف اعتبارا لباعث محدد وراء إقدام الأم على الفعل قوامه اتقاء العار والتستر على الفضيحة بسبب الحمل الناتج عن علاقة جنسية غير مشروعة، ويمثل هذا الاتجاه كل من القانون الايطالي ( م. 578) والليبي (م. 373) والسوري الذي ينص في المادة 537 منه على انه ( تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحا).
وتخفيف العقاب يجد أساسه، في نطاق هذا الاتجاه، في اعتبارات معينة مؤداها الحرج الاجتماعي البالغ والشقاء النفسي المرير اللذان تقع فيهما الأم التي تضع وليدها وضعا غير شرعي مما يدفعها إلى التخلص منه تحريرا لنفسها من الشعور بالخطيئة.
أما الاتجاه الثاني فلا يشترط لقيام جريمة قتل الوليد سوى نية إزهاق الروح دونما تطلب لذلك القصد الجنائي الخاص الذي قوامه ارتكاب الجريمة بغرض التستر على الفضيحة. ومن القوانين الأخذة بهذا الاتجاه: القانون الفرنسي (القديم ) والقانون المغربي. ويقيم هذا الاتجاه تخفيف العقاب على أساس بعض الاعتبارات البدنية أو الفسيولوجية: إن الأم التي تتجاهل عاطفتها البديهية لتقضي على حياة وليدها غالبا ما تقدم على فعلها، وهي لا تزال تحت تأثير الاضطراب الجسمي والنفساني الناجم عن الوضع. (1)
................................................................................
1-       محمد رمضان بارة : قانون العقوبات الليبي، القسم الخاص، الجزء الأول : جرائم الاعتداء على الأشخاص، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ط ا2، 1993، ص.
أولا : شروط تطبيق العذر المخفف
لما كانت جريمة قتل الوليد صورة معينة من القتل العمد كان لا بد لقيامها قانونا من ارتكاب فعل الاعتداء بنية القتل، من جهة، ومن توجيه هذا الفعل ضد وليد، من جهة أخرى .
1- فعل الاعتداء المتضمن لنية القتل: (1)
قتل الوليد كغيره من صور القتل العمد يرتبط وجوده ماديا بإتيان الجاني نشاطا يتحقق به فعل الاعتداء، ونتيجة إجرامية تتأذى في إزهاق روح الضحية، ورابطة سببية تحكم الصلة بين هذين العنصرين.
بيد أن ثمة إشكالا خاصا يثور هنا يتعلق بمدى التساوي في القيمة القانونية بين تحقيق الجريمة عن طريق الامتناع وتحقيقها بفعل الارتكاب، وبعبارة أخرى فان التساؤل يتعلق بمدى اعتبار التسبب في النتيجة الإجرامية بالوسائل الايجابية كالإقدام على قتل الوليد خنقا أو غرقا أو بإحدى الآلات القاطعة أو الواخزة معادلا في الأثر القانوني لأحداثها بالوسائل السلبية كالإحجام عن ربط الحبل السري للوليد أو الامتناع عن إرضاعه وتغذيته او عدم بذل العناية الضرورية لاستمرار بقائه. الواقع من الأمر إن هذا الإشكال الخاص ليس إلا امتدادا لتلك الإشكالية العامة التي تدور حول مدى جواز قيام جريمة القتل العمد قانونا- كمبدأ عام- بمحض الترك أو الامتناع. إن السائد في بعض
الأنظمة الوضعية إن القتل العمد يقع بالترك أو الامتناع كلما كان الممتنع ملتزما قانونا أو طبقا لاتفاق خاص أو بسبب فعله السابق برعاية المجني عليه أو انقاد حياته.
وتطبيقا للمبدأ العام الذي يسود مثل هذه الأنظمة والذي تتقرر بموجبه المساواة التامة في الوسائل المسخرة ترتيبا للنتيجة الإجرامية، لا يمانع جمهور الشراح في ايطاليا واسبانيا وسويسر، فضلا عن بعض البلاد العربية، في قيام جريمة قتل الوليد باستعمال إحدى الوسائل السلبية. (1)           
أما الرأي الراجح في فرنسا فقها وقضاء  فيقول بان الجرائم الايجابية - والتي من بينها القتل العمد- تستلزم لقيام ركنها المادي أن يرتكب الجاني فعلا ايجابيا يؤدي إلى تغيير ملموس في العالم الخارجي، وهو وإزهاق روح إنسان، ولا يمكن مساءلة شخص على ارتكابها إذا كان ما صدر عنه موقف سلبي أو امتناع.
وعلى هذا فان تفسير نصوص القتل على نحو يؤدي إلى شموله الفعل والامتناع يتضمن خروج عن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وتجاوزا لسلطات القاضي الجنائي في التفسير، فضلا عن استحالة إثبات العلاقة السببية بين الامتناع والنتيجة.ويبدو أن هذا الاتجاه هو الأقرب إلى موقف القانون المغربي  صحيح إن النشاط المادي الذي يتحقق به فعل الاعتداء قد جرت صياغته في عبارة واسعة. يوحي ظاهرها بان القتل العمد قد يقع بفعل ايجابي كما قد يقع بالترك أو الامتناع. إلا أن هذه الحجة اللفظية قاصرة الدلالة- في تقديرنا - للقول بتساوي الفعل الايجابي مع الترك أو الامتناع، سيما وانه لا يوجد في القانون المغربي- كما هو الشأن في القانون الايطالي أو الألماني أو الليبي مثلا(2) - نص عام يقر المساواة بينهما و يعترف للامتناع
---------.........................................------------------------
1-        Rassat (M.L) ; Droit pénal spécial,. Dalloz - Delta ; 1997, n. 239, pp. 243 -244.
2-       جاء في المادة 392 من المدونة الجنائية ان (( كل من تسبب عمدا في قتل غيره يعد قاتلا ))
بذات القيمة القانونية التي يعترف بها الفعل الايجابي. بل إن أفراد المشرع المغربي نصوصا خاصة للعقاب على حالات محددة من الامتناع وهي الفصول 410 و430 و463 تنهض دليلا حاسما على عدم صلاحية انطباق المادة 392 على القتل المرتكب بنشاط سلبي .
فإذا تأكد لدينا من خلال التحليل الصادر من الامتناع عن عمل لا يصلح لقيام المسؤولية العمدية عن القتل، فان هذا الامتناع لا يصلح - من باب أولى - أساسا للعقاب على جريمة قتل الوليد بالنظر إلى الصياغة التي أفرغت فيها المادة 397 والتي حرص المشرع على تضمينها الإشارة الصريحة إلى "فعل القتل" سواء في فقرتها الأولى آو الثانية، مما يصبح معه الاستنتاج سائغا بان القتل يتضمن فعل ارتكاب وليس مجرد امتناع.
صحيح أن القضاء على حياة الوليد كثيرا ما يقع بالامتناع عن إرضاعه أو حرمانه من العناية التي هو في حاجة إليها- كما سبقت الإشارة - إلا أن المتابعة الجنائية لا تتم في هذه الحالة على أساس المادة 397/2، وإنما بناء على تكييف قانوني أخر، قد يكون قتلا خطا (م. 432) وامتناعا عن تقديم المساعدة (م. 430 و431) أو ترك الأطفال أو العاجزين وتعريضهم للخطر( م. 459 وما بعدها ).
من هنا، فان جريمة قتل الوليد لا تتحقق إلا بوسيلة ايجابية من شانها إحداث الوفاة والنيابة العامة هي التي تقيم الدليل على الصفة الايجابية للفعل استنادا إلى تقرير الطب الشرعي. بيد إن جريمة قتل الوليد لا تكتمل مقومات العقاب عليها قانونا بمجرد تحقق الركن المادي المتأدي في الاعتداء المميت، وإنما يلزم بالإضافة إلى ذلك توافر نية القتل animus necandi لدى الأم الجانية. ويترتب على اشتراط هذه النية الخاصة إن مجرد الضرب أو الجرح المفضي إلى الموت دون نية إحداثه يمثل حالة تقع خارج نطاق تطبيق الفقرة الثانية من المادة 397 المشار إليها، وان كانت هذه الحالة افتراضية بحتة على اعتبار انه لا يوجد ثمة ما يحمل الأم أو غيرها على الاعتداء على الطفل الوليد عمديا دون استهداف إزهاق روحه. ومهما يكن من أمر، فان النيابة العامة هي التي يقع عليها عبء إثبات القصد الجنائي المتضمن لنية القتل، فضلا عن إثبات عنصر سبق الإصرار في حالة ادعاء اقتران الجريمة بهذا الظرف.
والى جانب الاعتراف، فان طبيعة الاعتداء الواقع على الضحية، وواقعة إخفاء الحمل عن الوسط المحيط بالمتهمة أو ثبوت قيامها بالفحوصات الضرورية قبل الوضع ، تمثل قرائن يمكن الاستدلال بها على توافر المقومات النفسية للجريمة، وان كان الفصل فيها إثباتا أو نفيا على ضوء الظروف المحيطة مسالة واقعية لقاضي الموضوع تقديرها بحسب ما يقوم لديه من الأدلة.
هذا، ويجب أن نلاحظ هنا أن النص العربي للمادة 397/2 المنوه بها قد صدر خلوا من الإشارة إلى ظرف سبق الإصرار خلافا للنص الفرنسي الذي أورده صراحة :
Toute fois, la mère, autour principal ou complice du meurtre ou de l'assassinat de son enfant nouveau -né…. »
ومفاد هذا النص الصريح إن تبييت المتهمة لنية قتل وليدها بعد الوضع إذا لم تسعفها الظروف للتخلص منه قبل ذلك، إنما يقع وقوعا غير مؤثر في التكييف القانوني للجريمة، وبالتالي، فان النص المقرر للعذر المخفف يظل واجب التطبيق انصياعا للقاعدة الأصولية التي تقرر ان : النص الخاص يقيد النص العام.
أما خارج هذا النص الصريح، فانه لا مناص من الاحتكام إلى القواعد العامة التي تحكم طائفة جرائم القتل العمد، وبالتالي، فان جريمة قتل الوليد قد تشدد عقوبتها بسبب ممارسة التعذيب أو استعمال الوسائل الوحشية إذا ما ثبت تنفيذها بطريقة بشعة، وقد يكيف الفعل أحيانا باعتباره فعلا مكونا لجريمة التسميم ( م. 398) إذ ما عمدت الأم القاتلة إلى استعمال بعض المواد السامة للقضاء على حياة الوليد. وغني عن البيان إن عذر التخفيف لا ينطبق في هذه الحالة او تلك لانتقاء علته التي تفترض اقتراف الجريمة تحت تأثير الانزعاج العاطفي تأثيرا يفقد الجانية توازنها النفسي.
2- أن يكون ضحية الاعتداء وليدا: يستدعي قيام هذا الشرط التمييز بين الوليد والجنين ، والتحقق من ولادته حيا ، وتحديد المدة التي تستمر فيها صفة الوليد قائمة. 1- يقتصر نص الفقرة الثانية من المادة 397 على الوليد nouveau-né وهو الطفل الذي لم ينقض على ميلاده حيا، إلا وقت قصير ويراد إحاطة أمره بالتستر والكتمان. واشتراط هذه الصفة في الضحية هو الذي يميز جريمة قتل الوليد عن جريمة الإجهاض التي ينصب فعل الاعتداء فيها على جنين. أما الوليد فهو الطفل الذي لم يعد جنينا، وأما ولد وبدا يتصل مباشرة بالعالم الخارجي ويحيا دون وساطة أمه، والميلاد باعتباره الواقعة التي يبدأ بها الاعتراف القانوني بالحياة إنما يتحقق ببداية عملية الوضع الطبيعي لا بتمامها، بمعنى إن الكائن الحي ينطبق عليه وصف الوليد(1).
.............................................................................
1- VOUIN (R) ET RASSAT. (M.L), Op. Cit, n. 161, p. 177 ترجمة بسام جمعة الأحمد، دار الفكر، دمشق.
خلال المدة الزمنية التي تستغرقها عملية الولادة مادام هذا الكائن قد استقل بكيانه عن كيان أمه لاكتمال نضجه واستعداده للخروج إلى الحياة مهما تعسرت ولادته و أيا كان الوقت الذي استغرقته.
أما إذا قضي على حياة هذا الكائن قبل ذلك فلا يعتبر الفعل قتلا بل إجهاضا.
1- ولقيام جريمة قتل الوليد لا بد من أن يكون هذا الأخير قد ولد حيا vivant، ولكن ليس شرطا أن يكون قابلا للحياة viable، فإذا تمت ولادة الطفل حيا عد الاعتداء عليه قتلا وان كان موته محتما. وغني عن البيان إن الادعاء العام هو الذي يقع عليه إثبات حياة الطفل المجني عليه.
2- ولكن، متى يكون الطفل وليدا وكيف يتحدد النطاق الزمني لحداثة العهد بالولادة؟
مما لا شك فيه إن لتحديد هذا النطاق الزمني أهمية عملية بالغة:
بثبوت صفة الوليد يتقرر العذر المخفف لفائدة الأم القاتلة وتكون عقوبتها هي السجن من خمس إلى عشر سنوات، وبانتقائها تصبح جريمة قتل الطفل مقترنة بظرف مشدد يرفع العقوبة إلى الإعدام.
لئن كان من المتفق عليه إن صفة الوليد تستمر فترة وجيزة لا تزيد عن بضعة أيام فان تحديد اللحظة الزمنية التي تنتهي عندها مسالة تقديرية متروكة لقاضي الموضوع الذي يقررها على ضوء العلة التي تقرر من اجلها سبب التخفيف والتي تتخلص- كما رأينا- في وقوع الأم تحت سطوة الانزعاج العاطفي.
واستلهاما لعلة التخفيف هذه فقد جرى عمل القضاء الفرنسي على أن حداثة العهد بالولادة تثبت للطفل طوال المدة المقررة للتصريح بالولادة والقيد في
سجل الحالة المدنية، وهذه المدة محددة قانونا في ثلاثة أيام بيد أن تلك الصفة تزول حتى قبل انصرام هذا الأجل كلما ثبت شيوع خبر الولادة في الأوساط المحيطة بالأم .
هذا، وقد ورد في المادة 397 المشار إليها بان التخفيف هنا ذو طابع شخصي يقتصر على الأم دون غيرها بحيث لا يستفيد منه الفاعل الأصلي الذي اشتركت معه الأم، ولا المساهم أو المشارك معا ولو كان أبا للوليد القتيل.
ولا شك أن مقتضى هذه المادة يشكل استثناء مزدوجا على القاعدة المنصوص عليها في المادة 130 من المدونة الجنائية بشان العقوبة المقررة للاشتراك في الجريمة: إذا كانت الأم مشاركة في جريمة قتل الوليد كانت عقوبتها اخف من عقوبة الفاعل الأصلي أما إذا كانت هي المساهمة في الجريمة بصورة أصلية، فان عقوبة المشاركين معها تصبح اشد من عقوبة الفاعل.
والخروج عن القواعد العامة يجد تبريره هنا في الوضعية الخاصة بالآم التي يعتبر العذر المخفف قصرا عليها من دون غيرها من الأشخاص.
إن الوالدة التي تُقدم على قتل وليدها، تشدد عقوبتها ( في الأصل وتطبيقاً لقواعد ظروف التشديد لجريمة القتل المقصود ) وفق ظرفين من ظروف التشديد ، هما :
1- قتل حدث دون الخامسة عشر وعقوبته هي الأشغال الشاقة المؤبدة .
2- قتل فرع ، وعقوبته هي الإعدام .
إلا أنه ( وفي المادة / 537 / من قانون العقوبات ) ، نص المشرع على تخفيف العقوبة في جرم قتل الوالدة لوليدها اتقاءً للعار وذلك لاعتبارات معينة .
حيث نصت المادة ( 537 ) ق.ع على :
{ 1- تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم – اتقاءً للعار – على قتل وليدها الذي حبله به سفاحاً .
2- ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع القتل عمداً } .
3-علة التخفيف :
هناك عدد من الاعتبارات التي دعت المشرع إلى التخفيف من عقوبة الوالدة التي تقتل وليدها اتقاءً للعار :
1) الحالة النفسية التي تسيطر على الأم عقب الولادة ، فهذه الحالة تجعل الأم غير قادرة على السيطرة على انفعالاتها .
2) اتقاء العار الذي يساهم في الحالة النفسية والاضطرابات التي تعقب عملية الولادة.  من نص المادة ( 537 ) يبدو للوهلة الأولى أن العلة من التخفيف في هذه الحالة هي اتقاء العار والفضيحة ، إلا أن هذا القول في الحقيقة في غير محله لأنه إذا كانت العلة من التخفيف هي دافع الشرف واتقاء العار والفضيحة لما قصر المشرع نطاق التخفيف على قتل الوليد ، كون هذا الدافع يتوفر حتى لو لم يكن المجني عليه وليداً ، بالتالي يتوفر التخفيف هنا لو كانت العلة كذلك.
إضافةً لذلك نرى أنه لو كانت العلة من التخفيف هي دافع الشرف واتقاء العار لما قصر المشرع نطاق الاستفادة على الوالدة ، كون هذه العلة تعد متوفرة كذلك عن غيرها من الأقارب .
وبالتالي نجد أن القول الأسلم هو أن العلة من التخفيف في هذه الحالة هي الظروف النفسية التي تمر بها الوالدة عقب الولادة .
أما دافع الشرف واتقاء العار ، فما هو إلا عنصر يلعب دوراً في تعزيز وجود العلة من التخفيف ( أي يعمل على زيادة الاضطرابات النفسية عند الأم ) .
4-شروط التخفيف :
أ- يجب أن يكون المجني عليه وليداً :
فلكي يتوفر ظرف التخفيف ، لا بد أن يكون المجني عليه وليداً . وصفة الوليد لا يمكن تحقيقها إلا بالميلاد . ووفقاً للرأي الراجح فقهياً : يبدأ الميلاد من بداية عملية الولادة ( وليس بخروج الوليد من بطن أمه ) .
فالوليد ، صفة تطلق على المخلوق إذا تجاوز مرحلة الجنين ، ومرحلة الجنين تنتهي عند بداية عملية الولادة ، لأنه قبل هذه المرحلة يعتبر المخلوق جنيناً ، والاعتداء الذي يتعرض له ( في هذه الحالة ) ويودي بحياته ، يعتبر إسقاطاً للحمل ( إجهاضاً ) وليس قتلاً ، أما بعد ذلك فإنه يعتبر مولوداً ، وبالتالي نكون أمام قتل مشدد واقع على فرع وعلى حدث دون الخامسة عشرة .
إذاً : من الواضح بمكان أن تحديد بداية صفة المولود لا تثير أي مشكلة ، إنما المشكلة تكمن في تحديد اللحظة التي تنتفي فيها عن الكائن صفة الوليد بحيث يصبح قتله مشدداً وليس مخففاً .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن مسألة ثبوت صفة المولود عن الإنسان أو انتفائها عنه إنما هي مسألة تقديرية متروكة لسلطة قاضي الموضوع التقديرية الذي يحددها بناءً على العلة التي منحت الأم التخفيف لأجلها ، وهي الحالة ( الاضطرابات ) النفسية والبيولوجية والاجتماعية التي تعتريها عقب ولادتها بسبب الحمل الغير شرعي ، فما دامت لم تتخلص الأم من هذه الحالة فيغدو قتلها لوليدها ، قتلاً مخففاً .
ولا يكون الأمر كذلك فيما إذا كانت قد تخلصت منها ، حيث يكون قتلها لوليدها قتلاً مشدداً .
ب- أن يكون الوليد ناتجاً عن حمل سفاحاً : ( الحمل سفاحاً : هو الحمل الناتج عن الزنا بين المحارم )، فيشترط أن يكون الوليد ثمرة حمل بطريق السفاح حتى يتوافر ظرف التخفيف .
حيث نصت المادة ( 537 ) من قانون العقوبات ، أن المولود يجب أن يكون ثمرة حمل بطريق السفاح حين قالت : ( تعاقب بالاعتقال ، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً) .

.........................................................................
1- جلال ثروت: المرجع السابق: رقم 203، ص. 267.
ت- المقصود بالسفاح قانوناً ؟
نصت المادة ( 476 ) و ( 477 ) من قانون العقوبات على أن السفاح بمعناه الضيق هو الاتصال الجنسي غير المشروع بين المحارم أي : ( الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين ، أو بين الأشقاء والشقيقات والأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلتهم من الأصهرة ) .
إلا أن السفاح المقصود بالمادة ( 537 ) ق . ع يجب أن يؤخذ بمعناه الواسع ( أي كل اتصال جنسي غير مشروع حتى لو كان اتصالاً غير معاقب عليه ) . لوجود بعض الحالات من الزنا غير معاقب عليها .
وبالتالي يكون التوسع في هذا المفهوم لتحقق العلة من التخفيف في مثل هذه الحالات ، كما أنه يوجد خطأ في ترجمة ونقل نص المادة ( 537 ) .
وبناءً عليه :
إن قتل الوليد الناتج عن سفاح – زنا – اغتصاب … يتوافر فيه ظرف التخفيف ، على عكس قتل المولود الشرعي الذي يشكل قتلاً مشدداً .
ولا بد من ذكر حالة ما إذا كانت الوالدة تعتقد خطأ بأن عقد الزواج العرفي هو عقد غير شرعي وقامت بقتل مولودها اتقاءً للعار والفضيحة .
فعندئذٍ تستفيد الأم من الظرف المخفف لأن الزواج من الوقائع المادية والجهل بها يورّث البطلان ، إضافةً لذلك فإن العلة من التخفيف هنا ( وهي الحالة النفسية المضطربة للأم) متوافرة في هذه الحالة .
ث- يجب أن يكون الجاني هو الأم :
يشترط أن يكون القاتل الذي يُقدم على قتل الوليد هو الأم . فلا يستفيد من التخفيف من يقوم بقتل الوليد غير الأم مهما كانت الرابطة التي تربطه بالأم ( كالزوج والأب والأخ والأخت ) ولو كان الدافع للقتل ، هو اتقاء العار . حيث يعتبر قتل الوليد غير الشرعي الواقع من غير الأم قتلاً مشدداً … وفي هذه الحالة يختلف التشديد باختلاف صلة الغير بالوليد وهنا لا بد من التمييز بين ما إذا كان :
1- الجاني هو أحد أصول الوليد : فيعتبر مسئولا عن قتل مشدد عقوبته الإعدام كونه قتل فرعاً ( طبقاً للمادة " 535 " من ق . ع ) .
2- الجاني من غير أصول الوليد : فيعتبر مسئولا عن قتل مشدد وعقوبته هي الأشغال الشاقة المؤبدة لأنه قتل حدث دون الخامسة عشرة من عمره ( طبقاً للمادة " 537 " من ق.ع ) .
فالتخفيف الوارد في المادة ( 537 ) ق . ع هو ظرف مخفف شخصي ، أثره يقتصر على الأم فحسب ، وسواءً أكانت فاعلاً أم متدخلة . ولا ينصرف أثره إلى غيرها من فاعلين أو متدخلين أو شركاء ( ولو كانت دوافعهم في ذلك وقاية الأم من العار والفضيحة ) .
وبعبارة أخرى :
- إن معيار الأم لا يرتبط بمفهوم الأصول والفروع ، فمدلول الأم غير مدلول الأب كون طبيعة هذا الضرر شخصي لا يستفيد منه سوى الأم .
- الوالدة تعتبر أماً ، رغم عدم وجود عقد زواج .
- الرابطة بين الأم والوليد تعتبر رابطة فيزيولوجية ، فبمجرد ولدته تعتبر أمه .
ج- دافع اتقاء العار :
يشترط لتوافر ظرف التخفيف أن يتوافر لدى الأم الجانية دافع خاص ( وهو اتقاء العار أو درء الفضيحة ) .
وعليه : إذا أقدمت الوالدة على قتل وليدها الغير شرعي ولم يكن دافعها من وراء ذلك اتقاء العار، تُسأل عن قتل مشرد عقوبته الإعدام لأنه قتل فرع ( وفقاً للمادة " 535 " ق.ع ) كما لو قتلته تخلصاً من عبء تربيته أو الإنفاق عليه .
وأيضاً : لا يتوافر ظرف التخفيف نظراً لانتفاء الدافع الخاص ( اتقاء العار ) إذا كان الحمل غير شرعي وذاع بين الناس وافتضح أمره أو كانت الأم قد جاهرت بحملها غير الشرعي وذاع بين الناس وافتضح أمره أو كانت الأم بالأصل ساقطة ملوثة بعار العهر.
إن مسألة وجود دافع اتقاء العار هي من الأمور التي يستغل بها قاضي الموضوع مسترشداً بحالة الأم والظروف المحيطة بواقعة قتل الوليد .


.......................................................................
1-       نجم الدين محي الدين، صحيفة الوسط البحرينية - العدد 3463 - الخميس 01 مارس 2012م
د- العقوبة:
فيما يتعلق بالعقوبة المقررة لجريمة قتل الأم لوليدها ( اتقاءً للعار ) ، ميز المشرع بين حالتين :
1- قتل الوالدة وليدها قصداً : فتكون العقوبة المقررة هي : الاعتقال من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة .
2- قتل الوالدة وليدها عمداً : فتكون العقوبة المقررة هي : الاعتقال من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة .
والتصديق متوفراً لدى الأم التي تقدم على قتل وليدها ( الذي حبلت به سفاحاً ) اتقاءً للعار، خلال المرحلة التي تكون فيها الأم تعاني من الاضطرابات النفسية والبيولوجية والاجتماعية التي تعقب عملية الولادة .
أما بعد هذه المرحلة، اعتبر القتل عمداً، وكذلك الأمر فيما لو كانت الأم مصممة على قتله قبل الولادة .



.............................................................
1-       لأستاذ علي الصقلي ” مدونة الأسرة المستجدات والأبعاد، جامعة مولاي إسماعيل أشغال ندوة علمية العدد 58 سنة 2004 ص 47 و 48.
ه- عقوبة قتل الوليد في قانون العقوبات السوري :
    تتزايد حوادث قتل الخدج بصورة تدفعنا للتساؤل حول جدوى القوانين التي تحكم هذه الجرائم في قانون العقوبات السوري، ولعل أكثر ما يدفعنا للتساؤل هنا هو تلك القصص المختلفة عن أطفال خدج يجدهم عمال النظافة من حين لآخر ملفوفين بخرق بيضاء في حاويات القمامة وآثار قضم الفئران بادية على وجوههم بصورة مأساوية تعبر عن مدى الانحدار الذي وصلت إليه إنسايتنا حتى لنجدها داخل حاوية أو مكب للنفايات. وعن القوانين التي تحكم هذا النوع من الجرائم اللإنسانية مهما كانت دوافعها ومسبباتها فهي:
المادة 537 من قانون العقوبات السوري التي تعاقب بالاعتقال المؤقت الوالدة التي تقدم، اتقاء للعار، على قتل وليدها الذي حبلت به سفاحاً. على ألا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا وقع الفعل عمداً. ولقد منح المشرع العذر المخفف للجاني في جريمة قتل الوليد ضمن شروط وهي:
- أن يكون القتل اتقاء للعار
-
أن يكون المجني عليه وليدا
-
أن يكون الجاني هو والدة الوليد
-
أن تكون الأم الجانية قد حملت به سفاحا .
إذاً الشرط الوحيد هو أن يكون الوليد غير شرعي أي حملت به الأم نتيجة اتصال جنسي محرم سواء تم ذلك برضاء المرأة أو بغير رضاها كحالات الاغتصاب التي تثير حاليا في مصر جدلا واسعا بين مؤيد لحق المغتصبة بالإجهاض ومعارض له.
كما فرق المشرع بين حالتين هما القصد والعمد. والأولى تعني عدم توافر نية مبيتة والثانية تفيد بوجود نية مبيتة وبوجود سبق إصرار و هذه الأخيرة تكون عقوبتها الاعتقال المؤقت الذي لايجوز أن ينقص عن خمس سنوات ولايزيد عن خمسة عشرة سنة .
كما حرم المشرع السوري الإجهاض واعتبره جريمة وعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وعن العذر المخفف فقد رأى المشرع السوري انه قد تكون الأم مريضة ولا تقوى على الحمل أو كون بقاء الحمل يشكل خطرا عليها فأجاز بعد استشارة الطبيب القضاء على الجنين حماية للأم وحفاظا عليها وكذلك قد تضطر الأم للتضحية بجنينها فيما لو كان الحمل نتيجة علاقة غير شرعية فعمد المشرع في هذه الحالة إلى تخفيف عقوبتها وقد طال التخفيف أيضا من يساعدها من أقاربها على الإجهاض وذلك بدافع الشرف واتقاء العار.‏
كما حرم المشرع السوري الإجهاض واعتبره جريمة وعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. وعن العذر المخفف فقد رأى المشرع السوري انه قد تكون الأم مريضة ولا تقوى على الحمل أو كون بقاء الحمل يشكل خطرا عليها فأجاز بعد استشارة الطبيب القضاء على الجنين حماية للأم وحفاظا عليها، وكذلك قد تضطر الأم للتضحية بجنينها فيما لو كان الحمل نتيجة علاقة غير شرعية فعمد المشرع في هذه الحالة إلى تخفيف عقوبتها وقد طال التخفيف أيضا من يساعدها من أقاربها على الإجهاض وذلك بدافع الشرف واتقاء العار كالقابلة أو الزوج إذا اشتركا مع الأم في قتل وليدها غير الشرعي عوقبت الأم من ثلاث سنوات إلى خمس عشرة سنة وفق الفقرة الأولى من المادة 537 بأحكام الفقرة الخامسة من المادة 534 من قانون العقوبات وإذا كان المجنى عليه قد قتل عمدا، فإن الأم الجانية تعاقب بالإعتقال المؤقت لا أقل من 10 سنوات وأما شريكها فيعاقب بالإعدام.‏ علماً أن ظرف التخفيف الوارد في نص المادة 537 من قانون العقوبات هو ظرف مخفف شخصي ولا يتعدى مفعوله الأم.













خاتمة
   كثيرا ما نرى أطفالا يرمون في الشوارع المأهولة أو غيره دونما أي إحساس باحترام إنسانيه هؤلاء الأطفال الذين لم يرتكبوا أي جريمة وجاءوا إلى الدنيا بخطيئة الآباء والأمهات، وإن تخفيف المشرع للعقوبة على الأم التي تقتل وليدها اتقاءا للعار هو حماية قانونيه لا معنى لها سوى حماية الخطاة والذي يدفع ثمن أخطائهم طفل بريء فتشديد المشرع للعقوبة في مثل هذه الحالات رادع قوي وفعال لتفكر المرأة ألاف المرات قبل أن تحمل سفاحا.
و ارجو أن يفكر المشرع بوضع نص قانوني خاص بجريمة قتل طفل حديث الولادة كما فعلت قوانين دول أخرى لتأخذ هذه الجريمة البشعة التي تستهدف إنسانا ضعيفا لا يستطيع الدفاع عن نفسه وضعها القانوني المميز وخصوصا أن نظره المجتمع العربي تجاه قتل هؤلاء الأطفال نظرة تستهين بحياتهم و لا تضعهم في منزله الإنسان البالغ و لا يشجب ويرفض مثل هذه الجرائم التي تقع على الأطفال باعتبارها اعتداء على الحياة البشرية وتشديد العقوبة على مرتكبيها من الفاعلين والمساهمين و المحرضين .
فالأطفال زينة الحياة الدنيا، وبهجة العمر، بهم تكتمل فرحة الآباء والأمهات ،وبهم يملأ البيت سرورا وغبطة ، وتطمئن النفوس لرضاهم ، وتحقيق رغباتهم ، وهم ثروة الأمة وكنزها في الحاضر، والمستقبل ، وهم سر قوتها وعنوان مجدها وتقدمها، بل أكثر من ذلك هم عنصر دوامها واستمرارها .
الاستنتاجات:
-  كان الأطفال في العصور القديمة يعاملون كأنهم سلع يتاجر بها، وكان الأب يملك حق التصرف في أولاده، فله أن يبيعهم أو يطردهم أو يقتلهم.
- تطورت النصوص التشريعية بتطور أوضاع المجتمعات والشعوب الاجتماعية والمدنية والأخلاقية والاقتصادية.
-  في عصرنا هذا، والذي ظهرت أثاره بشكل كبير في سمو مكانة الطفل في المجتمعات الإنسانية والتنبيه لما لهذه الفئة الاجتماعية من سمة مستقبلية
- الشريعة الإسلامية شديدة الحرص على توجيه سلوك الإنسان وأخلاقه، وحماية حياته من أي اعتداء لذلك فهي تشدد على ضرورة اتحاد المجتمع ضد أية عملية قتل غير مبررة شرعاً وتقرر عقوبة شديدة لمن يعتدي على حق الإنسان في الحياة وكان متعمداً في ذلك، إذ قال تعالى في كتابه العزيز:- (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق